القدس، الخميس 1 أبريل 2010 (Zenit.org) . – نشر في ما يلي العظة التي ألقاها البطريرك فؤاد طوال، بطريرك القدس للاتين بمناسبة قداس عشاء الرب يوم الخميس، في القدس.
هذا هو جسدي… إصنعوا هذا لذكري” (لو 22: 19)
أيها الإخوة الأعزاء في الكهنوت،
أيها الإخوة والأخوات الأعزاء،
في هذه المدينة المقدسة، في العلية، أخذ الرب يسوع الخبز والخمر. غيّر الصلاة الطقسية معلناً بأن جسده، المرموز إليه بالخبز، يعطى للجميع، وبأن دمه يُهرق من أجلنا، لتغفر لنا خطايانا.
كعظيم الكهنة الأزلي، “على رتبة ملكيصادق الملك”، لا يقدم ذبائحَ حيوانيةً، بل ذبيحة روحية. طاعته التامة لأبيه، التي يعبر عنها بقبوله الموت على الصليب، هي ذبيحة العهد الجديد. في الأناجيل وفي كتابات العهد الجديد الأخرى، يتجلى كهنوت يسوع في العشاء الأخير ويبلغ ملأه على الجلجلة، على مسافة خطوات من القبر الفارغ الذي نجتمع أمامه!
ونحن، أكثر من أي وقت مضى، نتأمل، في هذه السنة الكهنوتية التي افتتحها قداسة البابا بندكتس السادس عشر في التاسع عشر من يونيو الماضي، بكهنوت يسوع (عب 5: 1) وبكهنوتنا. في العهد القديم، كان الكهنة يقدمون الذبائح في الهيكل. رئيس كهنتنا “لا يطلب محرقة أو ذبيحة” بل إنه قرب ذاته من أجلنا. يقول القديس أغسطينوس بأن يسوع كان ولا يزال دائماً “الكاهن والمذبح والذبيحة في آن”. ونحن الكهنة، لقد أعطي لنا أن نحيي هذه الذبيحة مقربين – كملكيصادق – الخبز والخمر. علينا نحن أن “نعلن” وأن نحث المؤمنين “ليعلنوا” موته حتى مجيئه، “في كل مرة نأكل من هذا الخبز ونشرب من هذه الكأس” (1كو 11: 26).
في رسالته الرسولية خلال افتتاحه السنة الكهنوتية، استشهد البابا بالقديس جان ماري فياني: “الكهنوت، هو محبة قلب يسوع”، مشيراً بذلك الى القلب المثقوب على الصليب. كهنة العهد الجديد، “أوانِ الخزف” الواعون لضعفهم، هم “أصدقاء المسيح”، وليسوا عبيده. إنهم خدام العهد الجديد الذين نالوا الرحمة وأضحوا بذلك قادرين على خدمة الله والقطيع، بمحبة وليس بخوف (2كو 3: 6؛ 2كو 4: 1 و 1كو 4: 1). الكهنوت، على الرغم من القيود البشرية، يمنحنا شرف وواجب ” تقديم ذاتنا ذبيحة حية مقدسة مرضية عند الله. فهذه هي عبادتنا الحقيقية” (رو 12: 1).
وبالتالي، فإنه من دون الكهنوت “لن نستطيع اختبار حضور الرب معنا”، كما يقول القديس جان ماري فياني! والأب الأقدس لا يتردد في الإشارة الى أنه “من دون الكهنوت، لا جدوى من آلام وموت المسيح”: لن تكون سوى ذكرى من الماضي البعيد، من دون آنيّة ومن دون أي تأثير على حياتنا. من خلال كلام التقديس، تتحق نبوءة ملاخي بالفعل (1: 11): ” من مشرق الشمس إلى مغربها آسمي عظيم في الأمم، وفي كل مكان تحرق وتقرب لآسمي تقدمة طاهرة”. نعم، من دون الكهنوت، لا ديمومة للفداء، فهو ليس حاضراً ولا فعالاً.
في هذه السنة، تأسف الكنيسة على ضعف الكهنة وعلى الاعتداءات الجنسية التي اقترفها كهنة، وهذه كلها أعمال تطلب من أجلها المغفرة. هذه الحقائق المحزنة خير دليل على “أن هذا الكنز نحمله في آنية من خزف لتكون تلك القدرة الفائقة لله لا من عندنا” (2كو 4: 7). “الاعتراف بضغفنا”، ونقصنا ومحدوديتنا، كما يقول البابا، هو أول وأكبر خطوة على طريق التقدم. اعترافنا وتواضعنا يعطيان المثل الصالح. مغفرة الرب وتسامح القطيع هما عضد لنا وتشجيع لنكون “واحداً مع المسيح”، لنكون” مسحاء آخرين”.
أيها الإخوة والأخوات الأعزاء، هنا في مدينة القدس، أسس يسوع الكهنوت لخدمة العهد الجديد. أسسه على الروح وليس على الحرف، الى جانب كهنوت جميع المعمدين الملكي، من رجال ونساء (راجع 1بط 2: 9). بالعماد نضحي جميعاً كهنة، أنبياء وملوكاً، مولودين من جديد “من الماء والروح القدس”، كالأطفال الروحيين في أورشليم الجديدة المنفتحة على الأمم (راجع إش2: 2-3 و مز 87: 5). هذا الكهنوت الملكي يؤهل المؤمنين أن يقربوا للرب ذبيحة التسبيح وأن يقدموا له حياتهم، ومعاناتهم واستحقاقاتهم ذبيحة روحية مرضية لله. في اتحادنا مع جميع الكهنة ورجال الدين حول العالم، وفي اتحادنا بكهنتنا ورهباننا وراهباتنا، وبالمؤمنين الذين لم يستطيعوا الحضور معنا اليوم، نرفع الحمد لله على وجودنا وعيشنا في هذه الأماكن المقدسة.
فلنجدد معاً عهدنا مع الرب، ومحبتنا له. هذا التجدد يعبر عن إرادتنا الصلبة في البقاء أمينين له كل يوم ودائماً؛ كما ويُظهر أيضاً حماية الرب المستمرة، لأنه إلهنا ونحن خدامه وممثليه. في الواقع نحن نعمل له، نعمل باسمه ولخير شعبه، المفتدى بدمه الثمين. بتجديد وعود سيامتنا الكهنوتية وتكريسنا، نقول من جديد “نعم”.
أيها الكهنة والمكرسون، اليوم يومكم. هذا هو عيدكم. فلنفرح معاً في الرب. “Haec dies quam fecit Dominus. Exsultemus et laetemur in ea!” . آمين
البطريرك فؤاد طوال
خميس الأسرار، 1 أبريل 2010
نقله الى العربية طوني عساف – وكالة زينيت العالمية