رسالة الأنبا أنطونيوس نجيب لمناسبة الفصح

روما ،الجمعة 2 أبريل 2010 (zenit.org) . – ننشر في ما يلي رسالة للأنبا أنطونيوس نجيب بطريرك الإسكندرية للأقباط الكاثوليك

باسم الآب والابن والروح القدس ، الإله الواحد . آمين .

من الأنبا أنطونيوس نجيب ،

Share this Entry

بنعمة الله ، بطريرك الإسكندرية للأقباط الكاثوليك ،
إلى إخوتنا المطارنة ، وأبنائنا القمامصة والقسوس ،

والرهبان والراهبات والشمامسة ،

وإلى جميع أبناء الكنيسة القبطية الكاثوليكية ،

على أرض الوطن ، وفى بلاد الانتشار .

 

القيامة نور إلهي

 

” أنتم اليومَ نورٌ فى الرب . فسيروا سيرة أبناء النور ” ( أفسس 5 : 8 )

فى الفصل التاسع من إنجيل القديس مرقس ، نقرأ أن الرب يسوع تجلـّى بمشهد من تلاميذه بطرس ويعقوب ويوحنا ، على جبل طابور ، فى بهاء نورانى ساطع ، وسط النبيّين إيليا وموسى . وبعد ذلك ، بينما هو نازل من الجبل ، أوصى يسوع تلاميذه الثلاثة أن لا يخبروا أحدا ، إلا متى قام ابن الإنسان من بين الأموات. ويقول لنا الإنجيل المقدّس : ” فأخذوا يتساءلون : ما معنى : قام من بين الأموات ” ( مرقس 9 : 2 – 10 ) .

واليومَ أيضا ، بعد مضى أكثرِ من ألفى سنة على هذا الحَدث الفاصل فى تاريخ البشرية ، قد يحدث لنا أيضا أن نتساءل عن معنى : “قام من بين الأموات” ؟ من السهل أن نقبل بفرح وحنان ميلاد يسوع . نستطيع أن نحبّ الطفل الوديع ، وأن نتصوّر مغارة بيتَ لحم ، وترنيم الملائكة ، وفرح مريم ويوسف والرعاة والمجوس … أما القيامة ، فماذا تكون ؟ إنها لا تدخل فى إطار خبراتنا المحسوسة . وبالتالى تبقى رسالتها أحيانا مجهولة منا، وكأنها أمرٌ مضى ودخل التاريخ .

لذلك تعمل الكنيسة على مساعدتنا لنفهم حقيقة ومعنى هذا الحدَث الأساسى ، ليظل حاضرا فى حياتنا على الدوام ، فتقرّبه لنا بواسطة الرموز المحسوسة . وأهم هذه الرموز هو النور … كان النورُ أولَ ما خلقه الله . يقول كتاب التكوين : ” قال الله : ليكن نور ، فكان نور ” ( 1 : 3 ) . وحيث يكون النور تنبثق الحياة ، ويتحوّل الغمرُ الخالى والخاوى إلى كون منظـّم … وفى الكتاب المقدّس ، النور هو أبلغ صورة تعبّر عن الله . فالله هو ضياءٌ، حياة ، حقّ ، وصفاء.

وما حدث فى بدء الخليقة ، كما قدّمه لنا الكتاب المقدّس ، يتحقـّق بصورة كاملة فى فجر القيامة المجيدة . قال الله من جديد : ليكن نور ، فأشرقت القيامة بنورها المتوهّج . انهزم الموت ، صار القبر فارغا ، توالت ظهورات الرب يسوع حيا لتلاميذه ولكثيرين غيرِهم . القيامة نور إلهى . فيها يتجلى الرب يسوع فى كامل نوره . بها ينتصر النور نهائيا على كل ظلام . ومنها ينطلق نور الحقّ والسلام والحب إلى بنى البشر .

فى احتفالنا بقدّاس عيد القيامة المجيد ، وقبل الطواف بأيقونة السيد المسيح القائم من بين الأموات ، نطفىء الأنوار . وفى حوار بين الكاهن والمرنـّمين، نطلب أن تنفتح أبواب السماء الدهرية ليدخل ملكُ المجد ، الربُ يسوعُ الكلمة . ثم نهتف “خريستوس أنستى ، أى المسيح قام ” . فتضاء كل الأنوار ، ويمسك الحاضرون بشمعة مضيئة ويشتركون فى الطواف داخل الكنيسة . وبهذه الصورة تذكـّرنا وتؤكـّد لنا الكنيسة حقيقة القيامة ، وتقرّب لنا معناها الأساسى … قام المسيح نورا للعالم . والنور ضياء وحرارة ، وطاقة ُ تحويل . الشمعة تضىء ،  وفى الآن نفسه تحترق . وكذلك الصليب والقيامة متلازمان . فمِن بذل الذات حبا بنا، حتى الموتِ على الصليب ، أشرق فجر القيامة وتجلى النور الكامل أمام الإنسانية .

فيسوع القائم من بين الأموات هو نفسه النور ، كما سبق وأعلن ” أنا نور العالم . من يتبعُنى لا يمشى فى الظلام ، بل يكون له نور الحياة ” (يوحنا  8 : 12) . بقيامة الرب يسوع دخل نور الله فى ليل التاريخ ، فأضاءه وحوّله إلى نهار دائم ، صانعا خليقة جديدة : ” ها أنا أجعل كلَّ شىء جديدا ” ( رؤيا 21 : 5 ) .

فى العهد القديم ، كانت الشريعة هى كلمة الله التى تضىء طريق الانسان إلى الله . وكما فصلت كلمة الله بين الظلام والنور فى بداية الخـَلق ، تفصل كلمة الله بين الحق والباطل ، بين الخير والشر . إنها ترشد الإنسان إلى الطريق القويم ليحيا حياة صحيحة : ” كلامك سراج لخطواتى ونور لطريقى ” (مزمور 119 : 105). إنها تهديه إلى الخير ، وتبيّن له الحقّ ، وتقوده إلى الحب ، الذى هو جوهرها الأساسى … والآن يتحقـّق كل ذلك بأكمل صورة ، فى المسيح الكلمة ، القائم من بين الأموات . ومتى عشنا معه وبه ، جعل منا إشعاعا لنوره فى العالم ، كما أعلن هو نفسه : ” أنتم نور العالم ” … ” ما من أحد يوقد سراجا ويغطـّيه بوعاء أو يضعه تحت سرير ، بل يضعه فى مكان مرتفع ، ليستنير به الداخلون ” … “فليضىء نوركم هكذا قدّام الناس ، ليشاهدوا أعمالكم الصالحة ، ويمجّدوا أباكم الذى فى السماوات ” ( متى 5 : 14 – 16 ، لوقا 8 : 16 ) .

ويعلن القدّيس يوحنا فى رسالته الأولى : ” الله نورٌ لا ظلام فيه . فإذا قلنا إننا نشاركه ونحن نسلك فى الظلام ، كنا كاذبين ولا نعمل الحقّ . أما إذا سرنا فى النور ، كما هو فى النور ، شارك بعضـُنا بعضا ، ودم ابنه يسوع يطهّرنا من كل خطيئة  ” ( 1 : 5 – 7 ) … ويكمّل قائلا : ” الظلام مضى والنور الحقّ يضىء . من قال إنه فى النور وهو يكره أخاه ، كان حتى الآن فى الظلام . ومن أحبّ أخاه ثبت فى النور ، فلا يعثر فى النور . ولكن من يكره أخاه فهو فى الظلام ، وفى الظلام يسلك ولا يعرفُ طريقه ، لأن الظلام أعمى عينيه ” ( 2 : 8 – 11 ) .

ويعلن القدّيس بولس الرسول لأبناء كنيسة أفسس : ” أنتم اليومَ نور فى الرب . فسيروا سيرة أبناء النور . فثمر النور يكون فى كل صلاح وتقوى وحقّ . فتـَعلـَّموا ما يرضى الرب ، ولا تشاركوا فى أعمال الظلام الباطلة ” … ويهيب بنا أن نشترك فى نور قيامة المسيح ، قائلا : ” إنهض أيها النائم ، وقم من
بين الأموات، يضىء لك المسيح ” ( 5 : 8 – 14 ) .

إننا نشكر الله تعالى من أجل كل الأنوار التى يعطيها للعالم ، فى الماضى وفى الحاضر وفى المستقبل ، لتكون شعلة تضىء الطريق ، ونورا يبدّد الظلام . نشكره من أجل القدّيسين والصدّيقين ، ومن أجل المعترفين والشهداء ، الذين شاركوا ويشاركون السيد المسيح فى بذل ذاتهم وسفك دمهم ، ثمنا لأمانتهم للحقّ والخير ، فأناروا دربَ البشرية بالحبّ والتضحية والسلام . وستبقى دائما هذه الشهادة أبلغَ لغة للحب الحقيقى ، وبها أوصانا المسيح : ” هذه هى وصيّتى : أحبّوا بعضكم بعضا مثلما أحببتكم . ما من حبّ أعظمُ من هذا : أن يضحّىَ الإنسانُ بنفسه فى سبيل أحبائه . وأنتم أحبائى إذا عملتم بما أوصيكم به” (يوحنا 15 : 12 – 14).

نشكر الله من أجل كل الذين يجعلون من حياتهم شمعة تضىء وتحترق ليستنير بها الناس . من أجل الوالدين ، ولا سيما الأمهات ، وقد احتفلنا بعيد الأم من مدّة قريبة . من أجل كل القائمين بأمانة وإخلاص بمسئوليات قيادية فى بلدنا الحبيب، وفى كل بلاد العالم . من أجل الرؤساء الكنسيين ، قداسة البابا بندكتوس السادس عشر ، وقداسة البابا شنودة الثالث ، وباقى رؤساء الكنائس فى العالم . ومن أجل رؤساء الأديان الأخرى ، وعلى رأسها الدين الإسلامى . ولهؤلاء ولسائر القادة الدينيّين ، نلتمس من الله أن يهبهم النور ليكونوا هم بدورهم نورا ينشر الحقّ والخير والسلام والحب ، بمثالهم وبكلمتهم . وإننى أودّ أن أذكر هنا بكل حبّ وتقدير واعتزاز ، الراحلَ الكريم فضيلة الإمام الأكبر الدكتور الشيخ محمد سيد طنطاوى ، شيخ الأزهر الشريف ، الذى فارقنا إلى رحمة الله ، بعد حياة حافلة بالعطاء والموّة والمحبة . ونتمنى كلَ توفيق لخلـَفه الجليل فضيلة الإمام الأكبر الدكتور الشيخ أحمد الطيب .

فلنبتهل إلى الرب يسوع ، أن يحفظ شعلة إيماننا وقلوبنا وحياتنا متوهّجة بنوره هو ، نورِ الحقّ والعطاء والحب ، وأن يحميها من إغراءات العالم التى تطفىء النور فى النفوس البريئة ، ليجعلها تكبر وتزداد ضياءً وإشعاعا ، حتى نكون به ومعه أبناء النور ، لبناء عالم يضىء بالحقّ والعدل والسلام والإخاء والحب ، فى مصرنا الحبيبة وفى كل بلاد العالم .

وإلى أمنا العذراء مريم ، التى ندعوها بحق : أمَ النور ، لأنها أمُ يسوعَ ، النورِ الحقيقى ، نتضرع أن تجعلنا أمناء لهذه الرسالة ، مقتدين بإيمانها ، ومتمثـّلين بأمانتها ، فنرافقَ يسوعَ حتى النهاية ، حتى عند الصليب ، وعند القيامة ، واثقين فى حقيقة القيامة معه .

فى هذا المساء المبارك ، الذى نحتفل فيه بعيد قيامة الرب يسوع من بين الأموات ، متـّحدين مع كل كنائس العالم ، نلتمس من الله تعالى أن يحفظ لنا رئيسنا المحبوب محمد حسنى مبارك ، فى كامل الصحة والعافية ، بعد أن عاد بسلامة الله إلى قيادة الوطن بعد العملية الجراحية الناجحة والحمد لله . ونصلى من أجل كل الذين يحملون معه أمانة المسئولية . سدّد الله خطاهُم ، وحفظ قواتنا المسلحة ، وحفظ مصر سالمة آمنة ومباركة . 

قام المسيح . حقا قام … وكل عام وأنتم بخير وفرح وسلام .

Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير