بقلم الأب هاني باخوم
روما، الأربعاء 21 أبريل 2010 (Zenit.org) –قام المسيح، حقاً قام. قام ليحمل من تبعه الى قيامته، الى فصحه. والفصح كلمة عبرية تعني العبور. المسيح يعبر بتلاميذه من اللا ايمان الى الإيمان. يعبر بهم من موت الشّك والخوف الى حياة الفرح والرّسالة. يعبر بهم تاركاً علامات على قيامته: كالقبر الفارغ، ظهوره لمريم المجدلية ومناداته لها باسمها، كما رأينا سابقاً، وايضاً كظهوره لتلميذيّ عمّاوس وكسر الخبز معهما.
تلميذيّ عمّاوس، كانا قد شاهدا اعمال المسيح العظيمة اثناء حياته، وشهدا موته ايضاً، عرفا ان القبر فارغ واستمعا الى النّسوة اللواتي قلنَّ: انّه حي. وبالرّغم من كلّ ذلك هما في حيرة بل بالأحرى يشعران بالكآبة. كانا يأملان بانّه المسيح الذي سيخلّص الشّعب، لكنّه مات…نعم، مات (لو 24: 13- 35).
يَظهر لهما المسيح ويسير معهما في الطّريق. وهما يعتقدان بأنه “غريب”. فهو لا يعلم شيئاً مما حدث في أورشليم. يرويان له ما حدث كما شاهداه؛ موت المسيح، القبر الفارغ، كلام النّسوة…..يرويان، فقط يرويان. فيقول لهما المسيح: “يا قَليلَي الفهمَ وبطيئيِ القلبِ عنِ الإيمان بكلّ ما تكلّم به الأنبياء. أما كان يجب على المسيح ان يعاني تلك الآلام فيدخل في مجده؟”.
هكذا يوبخهما. فهما يشاهدان الأحداث، ولكن لا يفهمانها بحسب اقوال الأنبياء. يريان الأحداث منفصلة عن كلمة الله، ويفسرانها كما البشر لا بحسب الله؛ يريان ان المسيح مات، فاذاً كلّ شيء قد انتهى. لذا هما كئيبان. فما يُحزن الإنسان في العمق، هو عندما يرى احداث الحياة فقط كما هي، ولا يتمكن من اعطائها تفسيراً خلاصياً. عندما لا يجد معنىً لها.
شرع المسيح في تفسير كلّ ما حدث على ضوء الكتاب سائراً معهما في الطّريق. الرّبّ يصحبهما في مسيرتهما، واقعهما الحالي: تركا التّلاميذ مجتمعين وقرّرا الرّحيل. قرّرا الرجوع الى عمّاوس، الى بيتهما في حزن واكتئاب. في هذا الطّريق، يقابلهما هذا الغريب الذي يفسّر لهما الأحداث بطريقة مختلفة عمّا شاهداها. فبدأ قلب كل منهما يتقد. هذا القلب الذي كان بطيئَاً عن الإيمان في فهم الأنبياء والكتب بدأ يتقد. بدأ يفهم ويرى ان الواقع ليس كما كان ينظر اليه من قبل. الأحداث هي نفسها الا انّها تغيرت في العمق، اصبح لها معنىً خلاصياً.
لكن بالرّغم من كلّ ذلك، لم يتعرفا عليه. فيدعوانه الى دخول بيتهما. يستقبلانه، كما استقبل ابراهيم ثلاثة اشخاص عند مَمرا، وبعدها اكتشف انّه الرّبّ (تك 18: 1). فيدخل المسيح معهما لتناول الطّعام، يأخذ الخبز ويبارك، ثم يكسره ويناولهما. وهنا تنفتح عيونهما ويعرفان انّه الرّبّ. هذا الفعل الافخارستي يُدخلهما في شركة عميقة مع هذا الغريب. شركة تجعلهما يعرفان من هو؛ الرّبّ القائم.
قيامة المسيح وظهوره لتلميذي عمّاوس، تفسيره للكتب وكسره للخبز هو علامة تدلّ على القيامة. هو خبر مفرح لكلّ مكتئب، حزين، او متشكّك من واقعه. لمن يرى ان احداث حياته خذلته فخاب امله. لمن يرى ان وعد الله له بالخلاص لم يتحقق بعد، بل على العكس، يرى امامه ضعفاً، صليباً وموتاً، فليستمع اليوم الى صوت القائم الذي يفسّر له الأحداث. فليستمع الى تلك الكلمة التي تقول: “أما كان يجب على المسيح ان يعاني تلك الآلام فيدخل في مجده؟”. وهذه الكلمة ليست ببساطة دعوة لكي نستسلم لما نحن عليه، بل هي دعوة لكي ننظر الى هذا المجد الذي ينتظرنا، الى هذه القيامة الممنوحة لنا، والتي نستطيع ان نختبرها من الآن. قيامة تجعلنا لا نتشكّك بعد الآن مما نحن عليه، بل تصنع منا رُسلاً فنرجع الى أورشليم حيث الرّبّ اراد ان نكون، وكنّا قد قرّرنا النّزول منها.
الحدث نفسه الذي شكّك التّلاميذ اصبح الخبر الذي سيعلنونه لكلّ البشر؛ موت المسيح. هذا لأنّهم اختبروا قيامته، عبروا معه.
لكن علامات القيامة لم تنته…
للمرة القادمة.
زمن فصح مبارك.