وقفة روحية مع إنجيل الأحد

ظهور يسوع للرسل على البحيرة (يو 21/ 1-14)

الجمعة 23 أبريل 2010 (Zenit.org) – ننشر في ما يلي تعليق الأب ميشال الصغبيني الأنطوني، مدير الدروس في المعهد البابوي للدراسات العربية والإسلامية في روما، على إنجيل الأحد الرابع من زمن القيامة بحسب الطقس الماروني.

النص الإنجيلي:

بَعْدَ ذلِك، ظَهَرَ يَسُوعُ لِتَلامِيذِهِ مَرَّةً أُخْرَى عَلى بُحَيْرَةِ طَبَرَيَّة، وهكَذَا ظَهَر:

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

كَانَ سِمْعَانُ بُطْرُس، وتُومَا المُلَقَّبُ بِٱلتَّوْأَم، ونَتَنَائِيلُ الَّذي مِنْ قَانَا الجَلِيل، وٱبْنَا زَبَدَى، وتِلْمِيذَانِ آخَرَانِ مِنْ تَلامِيذِ يَسُوع، مُجْتَمِعِينَ مَعًا.
قَالَ لَهُم سِمْعَانُ بُطْرُس: «أَنَا ذَاهِبٌ أَصْطَادُ سَمَكًا». قَالُوا لَهُ: «ونَحْنُ أَيْضًا نَأْتِي مَعَكَ». فَخَرَجُوا وَرَكِبُوا السَّفِينَة، فَمَا أَصَابُوا في تِلْكَ اللَّيْلَةِ شَيْئًا.
ولَمَّا طَلَعَ الفَجْر، وَقَفَ يَسُوعُ عَلى الشَّاطِئ، ولكِنَّ التَّلامِيذَ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ يَسُوع.
فَقَالَ لَهُم يَسُوع: «يَا فِتْيَان، أَمَا عِنْدَكُم قَلِيلٌ مِنَ السَّمَك؟». أَجَابُوه: «لا!».
فَقَالَ لَهُم: «أَلْقُوا الشَّبَكةَ إِلى يَمِينِ السَّفِينَةِ تَجِدُوا». وأَلقَوْهَا، فَمَا قَدِرُوا عَلى ٱجْتِذَابِهَا مِنْ كَثْرَةِ السَّمَك.
فَقَالَ ذلِكَ التِّلْمِيذُ الَّذي كَانَ يَسُوعُ يُحِبُّهُ لِبُطْرُس: «إِنَّهُ الرَّبّ». فَلَمَّا سَمِعَ سِمْعَانُ بُطْرُسُ أَنَّهُ الرَّبّ، إِتَّزَرَ بِثَوْبِهِ، لأَنَّهُ كَانَ عُرْيَانًا، وأَلْقَى بِنَفْسِهِ في البُحَيْرَة.
أَمَّا التَّلامِيذُ الآخَرُونَ فَجَاؤُوا بِٱلسَّفِينَة، وهُمْ يَسْحَبُونَ الشَّبَكَةَ المَمْلُوءَةَ سَمَكًا، ومَا كَانُوا بَعِيدِينَ عَنِ البَرِّ إِلاَّ نَحْوَ مِئَتَي ذِرَاع.
ولَمَّا نَزَلُوا إِلى البَرّ، رَأَوا جَمْرًا، وسَمَكًا عَلى الجَمْر، وخُبْزًا.
قَالَ لَهُم يَسُوع: «هَاتُوا مِنَ السَّمَكِ الَّذي أَصَبْتُمُوهُ الآن».
فَصَعِدَ سِمْعَانُ بُطْرُسُ إِلى السَّفِينَة، وجَذَبَ الشَّبَكَةَ إِلى البَرّ، وهِيَ مَمْلُوءَةٌ سَمَكًا كَبِيرًا، مِئَةً وثَلاثًا وخَمْسِين. ومَعَ هذِهِ الكَثْرَةِ لَمْ تَتَمَزَّقِ الشَّبَكَة.
قَالَ لَهُم يَسُوع: «هَلُمُّوا تَغَدَّوا». ولَمْ يَجْرُؤْ أَحَدٌ مِنَ التَّلامِيذِ أَنْ يَسْأَلَهُ: «مَنْ أَنْت؟»، لأَنَّهُم عَلِمُوا أَنَّهُ الرَّبّ.
وتَقَدَّمَ يَسُوعُ وأَخَذَ الخُبْزَ ونَاوَلَهُم. ثُمَّ فَعَلَ كَذلِكَ بِٱلسَّمَك.
هذِهِ مَرَّةٌ ثَالِثَةٌ ظَهَرَ فيهَا يَسُوعُ لِلتَّلامِيذِ بَعْدَ أَنْ قَامَ مِنْ بَيْنِ الأَمْوَات.

التعليق

إن الاكتفاء والاتكال على السعي الذاتي، بعيداً عمّن هو الجود بالذات، يجعلان نيلَ المراد عسيراً.

في الأحد الرابع من زمن القيامة، تدعونا أمنّا الكنيسة للتأمل بالمسيح يسوع الذي لم ولن يترك كنيسته أبداً: إنه عونها وسندها (البعد الكنسي)، معلّمها وخادمها (البعد الرسولي)، المعطي والمُعْطَى (البعد الافخارستي). بيد أن هذه الأبعاد الثلاثة لا يمكن تحقيقها من قِبل الكنيسة إلاّ بعد التعرّف على المسيح القائم من بين الأموات الذي يأخذ دائماً المبادرة كي لا يتركها وحدها. فهو يعْلم علم اليقين أننا معرضون، وبسهولة تامّة، للتقوقع والانغلاق على أنفسنا، متناسين بهذا الفعل كل ما صنعه لأجلنا.

عاد الرسل من جديد لِمزاولة عملهم الأول، أي الذي كانوا تركوه لاتباع يسوع دون تحفّظ عندما دعاهم للمرّة الأولى؛ عاودوا الصيد في المكان عينه لتأمين لقمة عيشهم، لكنهم الآن محبطون بعد اتباعهم يسوع لمدة ثلاث سنوات بَدَتْ وكأنها انتهت بفشل ذريع، على نحو نتيجة صيدهم هذا الأخير. وفي هذه اللحظة بالذات، يعود ويظهر لهم يسوع من جديد. إرادته واضحة: لا يريد أن يكون حدثاً ماضياً منسيّا. وبالفعل، لم يكتفِ القائم من بين الأموات بالظهور على الشاطئ عند طلوع الفجر، بل أعادهم بالذاكرة إلى لحظات اللقاء الأول، حين قضوا الليل ولم يصطادوا شيئاً فسألهم رميَ الشبكة من جديد: إن الاكتفاء والاتكال على السعي الذاتي، بعيداً عمّن هو الجود بالذات، يجعلان نيلَ المراد عسيراً. لم تكن نتيجة الصيد فقط العلامة الواضحة للتعرّف على “الربّ”، إنما أيضاً تأكيدا لحقيقة رسالة المرسَل الإلهي القائم من بين الأموات، من جهة، وتحقيقاً لرسالة التلاميذ بين الشعوب، بعد أن أصبحوا صيادي بشر، لا بفعل الاتباع وحسب بل بفعل اختبار موت وقيامة السيد والشهادة له، من جهة أخرى.

وإذا كان حدث القيامة هو الحدث المؤسِّس لرسالة الكنيسة، فإن نتيجة الصيد، عند لقاء القائم وتنفيذِ كلمته، هي رمز الاطار الشامل لعمل الكنيسة الرسولي بعد التعرّف عليه في قلب العالم. وهذا ما يرمز إليه ليس فقط العدد مئة وثلاثة وخمسون نسبة إلى أصناف الشعوب القديمة كما كانت معروفة في التقليديْن اليوناني والروماني، إنما أيضاً من خلال ما قام به المعلّم لرسله السبع إذ هيَّأ لهم الطعام قبل وصولهم إلى الشاطئ وقام بخدمتهم وأطعمهم عند اجتماعهم حوله. وإن كان عمل الكنيسة رسولي شمولي، فإن الطريق لتحقيقه يتمّ بخدمة العالم، جماعاتٍ وأفراد، بحسب نهج المعلم أي بالخدمة المبنيّة على الشراكة والصداقة.

يختلف الآباء والمفسّرون حول عمق رمزية الافخارستيا في هذا الظهور حيث “أخذ يسوع الخبز وناول” تلاميذه، “ثم فعل كذلك بالسمك”. فالتقليد يؤكد على أن عناصر الافخارستيا هي الخبز والخمر؛ بيد أن هناك أسباب عديدة تدفعنا لنرى في هذا المشهد، كما يرويه لنا يوحنا، علاقة مباشرة بالافخارستيا. فللمرّة الأولى يعطي يسوعُ ما أعدّه هو بنفسه لتلاميذه؛ في العشاء الأخير، لم يكن هو المعِدّ، وفي بيت تلميذَي عمّاوس، بارك وناول الخبز المعدَّ مسبقاً على المائدة. فمع أن السمك لم يكن
عنصراً في الاحتفال الافخارستي الليتورجي، لكنّه كان بدون شكّ رمزاً مهمّاً للبعد الاسكاتولوجي للحياة المسيحية؛ هذا ما يعطي احتفال الجماعة المسيحية انفتاحاً لا على بُشرى موت المسيح وقيامته وحسب، بل أيضاً على مجيئه الثاني الذي سيحلّ فيه ملكوت الله حيث يشاركه المدعوون ما أعدّه لهم من قبل انشاء العالم.

هذه الأبعاد الثلاثة، الكنسي والرسولي والافخارستي، المبنيّة على مبدأ التعرّف على المسيح القائم من بين الأموات هي ذاتها حاضرة معنا اليوم في حياتنا المسيحية ومرتبطة بها ارتباطا وثيقا. فلا كنيسة إن لم تجتمع لتسمع كلمة الربّ ولتحتفل بعشاء القائم؛ ولا جدوى لعشاء الرب إن لم يدفع بالكنيسة إلى تبشير كل إنسان عن طريق ديناميكية الخدمة أولاً؛ ولكن وبالأخص، لا إمكانية لكل هذه (الجماعة، الرسالة، الليتروجيا)، إلاّ إذا انطلقت كلّها من اللقاء بالمسيح القائم واختبرت قدرته في قلب الموت وداخل الفشل وبالتعرّف إليه انه الربّ حقّا.

أمّا على الصعيد الفردي، فلا تختلف أبعاد المرموز في هذا الانجيل الذي يطرح على كلٍّ منّا رزمة من الأسئلة والتي على كلٍّ منا أن يجيب عليها بمفرده: ألَمْ يحصل لكَ يوماً أن سألك أحد أن تلقي الشبكة عن يمين سفينة حياتك، أو أن تقوم بما هو مخالف لخبرتك الحياتية؟ هل أطعته وعملت بما سألك إيّاه؟ أمستعدٌّ أنت أن تلقي بنفسك عند التعرّف على القائم في كل آخر؟ أحاضرٌ أنت أن تكون أولَ مَن يجذب الشبكة من بحر العالم وهي مملوءة بمختلف الأعراق والألوان والأديان وأن تقبل بهم على أنهم نتيجة كلمة السيد وليسوا نتيجة سعيك الذاتي؟ وأخيراً، أمستعد أنت أن تقدّم مما لك ومما هو أنت ليأكل العالم فتشاركَ الكاهنَ الأول ذبيحته لتشاركه ما أعدّه لك؟

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير