الأب هاني باخوم

روما، الثلاثاء 13 أبريل 2010 .(Zenit.org) . - القانون 1366 من مجموعة القوانين الشرقية، كمثيله من القانون الغربي رقم 1680، يُلزم تدخل "خبير" في دعاوى اعلان بطلان الزواج اذا كان سببها العجز الجنسي او فقدان الرضى بسبب مرض عقلي. فالخبير هو شخص مختص في مجال ما وقادر على اعطاء رأيه وفقاً لاسس علمية وفنية. لذا على القاضي  ان يلجأ في حالات دعاوى اعلان بطلان الزواج بسبب العجز او فقدان الرضى بسبب مرض عقلي الى رأي علمي ومختص من خلال خبير بهذا المجال او اذا لزم الامر عدة خبراء.

هذا القانون يؤسس طاولة مستديرة للحوار بين القانون الكنسي والعلم. السنوات العشرة الاخيرة، بالفعل، شهدت كمية عديدة من الدراسات والمقالات والكتب التي تعالج هذا الموضوع: علاقة العلم بالقانون الكنسي في هذه الحالة، اي مهمة الخبير في دعاوي اعلان بطلان الزواج. في هذه المقالة سنتستعرض طبيعة تلك الخبرة: هل هي تفيد في تحضير المعلومات اللازمة التي تسمح للقاضي بأتخاذ قراره النهائي، اي ان دورها تحضيري؟ ام تفيد كأثبات دليلي وبالتالي هي ملزمة للقاضي؟ كيف يقيّمها القاضي؟

1.     تعيين خبير وهدف تدخله

يوجد بعض الحالات التي ينص عليها القانون بتعيين خبير، كما في القانون 1366، لكن في اغلب الحالات الاخرى يترك الامر لتمييز القاضي. يتطلب تدخل خبير لاجراء الفحوصات اللازمة واستنتاج تقرير علمي وفني في حالة دعاوى بطلان الزواج بسبب العجز الجنسي، والشك في عدم صحة الرضى الزوجي بسبب مرض عقلي او نفسي. يجيب الخبير في هذا التقرير على استفسارات المحكمة او القاضي. اي ان هدف تدخل الخبير هو الاجابة على الاستفسارات المكتوبة الموجهة من القاضي او من المحكمة. ولذا عليه ان يفحص الشخص المعني بهذا الهدف، وليس بهدف اخر: فدور الخبير  ليس علاج الشخص المعني او معرفة او استقصاء شىء اخر، لكن يقتصر دوره على الالتزام  بالاجابة على الاستفسارات التي تقدم له.  وهكذا يستطيع ان يساعد القاضي  في تكوين يقينه.

يجب ان تسلم الى الخبير من طرف المحكمة أعمال الدعوى وسائر الوثائق والمرفقات التي يمكن ان يحتاج اليها لتنفيذ مهمته وكتابة تقريره (ق 1257 بند 2).  يقدم  الخبير تقريره مكتوباً للمحكمة في الوقت المحدد له من القاضي، موضحاً فيه ايضاً الوثائق والوسائل التي استعملها لتكوين رأيه النهائي (ق1259 بند 2).

في حالة وجود اكثر من خبير، على كل واحد منهم ان يقدم تقريرا مختلفا عن الاخر، الا اذا طلب القاضي تقريرا موحدا،  في هذه الحالة  يجب ذكر الفروق في اراءِ كل من الخبراء (ق 1259 بند 1). للقاضي الحق ان يستدعي الخبير لايضاحات يراها ضرورية لتكوين يقينه الشخصي.

هذا  في ما يخص تعيين الخبير ودوره في الدعوة، لكن ما هي طبيعة هذا الدور؟

2.     طبيعة الخبرة: تحضيرية ام الزامية؟

موضوع الخبرة في كلا القانونين الشرقي والغربي يُدرج تحت عنوان البيّنات والادلّة. من هذا يتضح ان طبيعة الخبرة هي طبيعة تحضيرية، مثل اجوبة الخصمين، وباقي الوثائق، والشهادات والشهود، ولكنها ايضاً بيّنة، اي ان القاضي لا يستطيع ان يتجاهلها  بلا سبب مقنع. بعض القانونيين يؤكدون ان الخبرة هي مساعدة ونصيحة للقاضي فقط، واخرون يؤكدون على دورها الالزامي، باعتبارها دليلا مهما. ان الاتجاه الاكبر الان يركز على الدور المتكامل للخبرة، بمعنى ان الخبرة المقبولة رسمياً من القاضي لها قيمتها الفعالة في تكوين اليقين الشخصي للقاضي.

فليس دور الخبرة تأكيد او نفي ما حدث بالفعل  ولكن دورها هو التأكد من وجود وطبيعة حدث ما يبدو للقاضي غريبا، ويرغب في توضيحه وفهمه كي يكوّن يقينه الشخصي. فليس دور الخبرة التأكد من الفعل او الحدث في حد ذاته بل دورها الاساسي الرد على استفسار  القاضي تجاه شيء معين يمنعه من الاستيعاب الكامل للدعوى.

لذلك فالقاضي حر في النهاية ان يأخذ بتلك الخبرة ام لا. هذه الحرية بالتأكيد ليست عشوائية، فالقانون يحدد للقاضي المقاييس التي يُقيَم بها الخبرة كي يقبلها او يرفضها مقدماً الاسباب لقراره (ق 1260 بند 2).

الخبرة اذاً ليست حكما نهائيا، او بالاحرى ليست حكما بدائيا، بل هي بيّنة تساعد القاضي وتوجهه كي يعي كل ابعاد الدعوى. وفي النهاية يعود الحكم  للقاضي.

عيد الرحمة الالهية

بقلم الأب هاني باخوم

روما، الاثنين 12 أبريل 2010 (Zenit.org) – يُحتفل بعيد الرحمة الالهية في الاحد الثاني بعد الفصح ويطلق عليه ايضاً الاحد الجديد، أو احد توما. عيد الرحمة الالهية هو احدى رغبات المسيح التي اظهرها بنفسه عند ظهوره للقديسة فوستينا عام 1931، فطلب منها أن يؤسس هذا العيد ويحتفل به. قداسة البابا يوحنا بولس الثاني اعترف به كعيد رسمي للكنيسة بواسطة مجمع الليتورجيات ونظام الاسرار في 5 ايار- مايو 2000.

ليست صدفة ان يحتفل بهذا العيد في هذا الاحد، اذ ان معظم الطقوس الشرقية الكاثوليكية تَعلن فيه انجيل ظهور المسيح للرسل ولتوما (يو 20: 19- 31).

فالانجيل في هذا الاحد هو بالفعل احتفال برحمة الرب، ليس فقط لان الرب لم يتشكك من عدم ايمان توما فظهر له من جديد كي يجعله يؤمن به، او لان الرب رحم توما ولم يحاسبه على عدم ايمانه، بل لان يسوع المسيح في هذا الانجيل يرحم بالفعل الجميع. كيف؟

فالرحمة، وكما ذكرنا في مقالات اخرى[1]، ليست فقط نسيان ما حدث، أو التغاضي عن شىء تم وعدم ذكره من جديد اوعدم المعاقبة عليه، انما الرحمة بالعبرية كما بالعربية من اصل “رَحِم” اي احشاء الأمّ، حيث يتكون الجنين؛ خليقة جديدة. فالرّحمة هي امكانية ولادة جديدة، خلق جديد. خلق جديد يسمح للشّخص بأن يحيا بطريقة جديدة ومختلفة عمّا كان من قبل. خلق جديد وليس تعديل في الانسان. خلق جديد وليس ببساطة تحسين سلوك او تصرفات او طبع الانسان. خلق جديد بروح جديد وطبيعة جديدة.

يسوع المسيح عند ظهوره لتلاميذه نفخ فيهم وقال: “خذوا الروح القدس. من غفرتم لهم خطاياهم تغفر لهم، ومن امسكتم عليهم الغفران يمسك عليهم” (يو 20: 22- 23). تلك النفخة هي نفس الفعل الذي فعله الله الاب عندما خلق الانسان: “وجبل الرب الاله الانسان تراباً من الارض ونفخ في أنفِه نسمة حياة، فصار الانسان نفساً حيَّة” (تك 2: 7). اي ان نفخة الله هي التي جعلت من هذا التراب انساناً، جعلت منه نفساً حية. وهنا المسيح ينفخ في تلاميذه. يخلقهم من جديد. لا يخلقهم لكي يصبحوا انفساً حية، لانهم بالفعل كذلك بل يخلقهم كي يصبحوا شركاء للطبيعة الالهية، شركاء للقيامة، ابناء الله. المسيح ينفخ فيهم روحه، روح قيامته. وهذا الروح سيجعل منهم ابناء الله، شركاء للمسيح في الميراث؛ في القيامة، في هذه الطبيعة الالهية. يجعل منهم كنيسة لها سلطان لمغفرة الخطايا؛ مغفرة لكل انسان يعترف بخطيئته ويقبل تلك الرحمة، تلك الخليقة الجديدة.

هذه المغفرة بلا شك تُنال في سر الاعتراف المقدس على ايدي من نالوا سر الكهنوت. هذه المغفرة يحصل عليها التائب كي تُمحى له خطيئته، وايضاً كي تجعله قادرا ان يأخذ على نفسه خطايا الاخرين اي ان لا يقاوم الشر بالشر فتجعل من الانسان مسيح أخر.

وبعد ذلك يقول المسيح لتوما:”هَاتَ اصبعك الى هنا فانظر يدي، وهات يدك فضعها في جنبي، ولا تكن غير مؤمن بل كن مومناً” (يو 20: 27). يسوع المسيح يستمر في الرحمة، في الخلق الجديد. والآن يخلق الايمان؛ يجعل من توما مؤمنا. يقول له:”كن مومناً”. هذا الامر هو امر خلق للايمان في توما. كما قال الله في البدء:”فليكن نور”، فكان نور.

الايمان هو عطية مجانية من الله يتقبلها الانسان بحرية. هو عطية الهية، خليقة جديدة، والانسان اما ان يقبلها او يرفضها. مثلها مثل المغفرة، مثل الرحمة. فيقول المسيح لتوما “كن مومناً” فيؤمن توما ويرد على منحة الخليقة الجديدة المعروضة عليه من الرب ويقول: “ربي والهي”.

تلك هي الرحمة الحقيقية، لا تغفر فقط عدم الايمان، بل تخلق في الانسان، الذي يرغب، الايمان؛ الايمان بقيامة المسيح وبالتالي بقيامته هو ايضاً.

هذا هو الاحد الجديد فيه يخلق المسيح الانسان من جديد. انسان مشارك في طبيعة الله. هذا هو الاحد الجديد فيه يخلق المسيح، اي يرحم بمعنى الكلمة، فلا يمحي فقط الخطايا لابناء كنيسته بل يعطي سلطانا للكنيسة لتمحي خطايا الاخرين وترحمهم من جديد.

هذا هو الاحد الجديد عيد الرحمة الالهية، هذه الرحمة التي لا تتوقف عن الخلق الجديد.

عيد مبارك.