للأب هاني باخوم
روما، الثلاثاء 27 يوليو 2010 (Zenit.org). – ليت الأحداث تستمر كما كانت عليه: لا يزداد الزيت والدقيق ولا ينقصان ابداً. كافيان دائماً لحياة الأرملة وابنها. ولكن في لحظة، لم يعد مهما لا الزيت ولا الدقيق، فقد مات من كان وجودهما مهماً بالنسبة اليه. مات الابن (1مل 7: 17). نعم مات ابن الأرملة. مات الذي كان لأجله كل شيء. مات من لأجله خاطرت مع اله اسرائيل ونبيه. مات الذي كان يحثها على ان تحافظ على الحياة وتصارع من اجلها. مات الابن الذي هو ضمان استمراريتها بعد موتها. مات المستقبل ولم يعد للحاضر ضرورة او معنى. فبم يفيد الزيت او الدقيق بعد ذلك؟ ماذا يفيد استمرارها في الحياة؟ لتبكي ابنها؟ الم يكن من الأفضل لها ان تموت معه قبل معرفتها بإله اسرائيل، إذ كان لديها ما يكفيها لوجبة واحدة ويموتان معاً. ولكن الآن هي على قيد الحياة مع الزيت والدقيق وجثة ابنها بين يديها.
فتصرخ الأرملة في وجه النبي وتقول: “ما لي ولك يا رَجل الله؟ أَتيتَ اليّ لِتُذَكِّرَ بذنبي وتُميت ابني” (ا مل 17: 18). تصرخ وتعلن للنبي حقيقته. فما فعله حتى الآن هو هذا: ذكّر الشعب بخطيئته، وجلب الجفاف الذي تسبب بموت الكثيرين في اسرائيل. هكذا تقول: لماذا اتيت اليّ اذاً؟ لماذا لم تتركني لاموت من الجفاف مع ابني كالباقين؟ لماذا اوهمتني الحياة ووعدتني بالأمان؟ لماذا وعدتني بحياة مختلفة، انا لم اكن انتظر شيئاً، وكنت راضية بموتي مع ابني. اتيت وخدعتني. فما لي ولك يا رَجُلَ الله؟
وامام هذا ماذا يستطيع ايليا ان يفعل ؟ بماذا سيرد وكيف سيشفي حصرة تلك الأم على وحيدها؟
يقول ايليا للأرملة: “اعطني ابنك”. وأخذه من حضنها واصعده الى العلية التي هو نازل بها واضجعه على سريره. وصرخ الى الرب وقال: “أيها الرب الهي، أالى الأرملة التي انا نازل بها تسيء ايضاً وتميت ابنها؟” (1مل17: 19-20). هذا ما فعله امام موت الصبي. فهو يشعر ان الأرملة على حق. فرسالته حتى الآن كانت ان يذكر اسرائيل بخطيئته، جالباً الموت امامه لكي يجعله يستفيق من عبوديته للآلهة المزيفة. كل هذا وافق عليه ايليا وقبله. لكن الآن، ما ذنب هذه الأرملة، هي ليست بيهودية حتى، وبالرغم من ذلك آمنت ووثقت بإله اسرائيل، اهكذا يكون جزاؤها؟ اتتساوى مع من عرف الرب وانكره؟ وان كان كذلك فما ذنب ابنها، الصبي البريء؟ لماذا يدفع هو ثمن خطيئة شعب ليس بشعبه؟ ايليا يقول للرب: اتُسيء ايضاً الى الارملة وتميت ابنها؟ وكأنه يقول: ألم يكفِك ما فعلت باسرائيل؟ الا يكفي موت الخاطىء؟ ايجب ان يموت البار ايضاً؟ موت الصبي يجعل ايليا يعبر عما بداخله، عما يفكر فيه تجاه الرب، فيصرخ ويقول: لم اعد افهمك، لم تفعل هذا؟
لكن في الوقت عينه ايليا يتوجه بهذا الكلام الى الرب، لا يحجب ثقته عنه بل بالعكس، يشكو ما فعله الرب الى الرب نفسه. اي في العمق يستمر ايليا في وضع ثقته بالرب وان لم يكن على اتفاق معه ولا يفهمه. بل بالأحرى يضع الصبي على السرير ويصرخ من جديد الى الرب ويقول ثلاث مرات: “ايها الرب الهي، لِتُعِد روح الولد الى جوفه”. كم هي عظيمة ثقتك بالرب يا ايليا؟ تثق انك اذا صرخت الى الرب كي يقيم الولد فسيفعل. وكم هوغريب ايمانك! من ناحية تقول له: انك اسأت لبني اسرائيل وقتلتهم وقتلت حتى الصبي البار. وفي نفس الوقت تصرخ واثقا انه سيرحم ويقيم الصبي!
ايليا يصارع مع الرب. ايليا آمن ان الله هو اله الحياة. لكن احداث الحياة تقنعنا بعكس ذلك؛ تُظهر ان الله يريد الموت ليس فقط للخطأة بل للأبرار ايضاً. وهنا يبدأ صراع ايليا الحقيقي. يطلب من الرب ان يُظهر نفسه اي مجده، ان يُظهر انه اله الحياة لا الموت. وكأن الله ينتظر ايليا حتى يصرخ له كي يُظهر نفسه ويقيم الصبي! وبالفعل الله يستجيب ويقيم الصبي. فيأخذه ايليا الى الأرملة. فتقول: “الآن علمت انك رَجُل الله وأن كلام الله في فمك حق” (1مل 17: 24).
تلك الارملة قد فهمت الأحداث بالفعل. قيامة ابنها من الموت جعلتها تعترف بان ايليا هو رجل الله. لم تسمعه عندما صرخ الى الرب ولا تعلم ماذا حدث فوق في العلية. لقد اعطته ابنها جثة واستلمته حيأَ. ما الذي حدث او كيف؟ هي لا تعرف. لكنها تعرف شيئاً واحدا ان ايليا هو رَجُل الله وكلامه في فمه.
يسمع ايليا شهادة الأرملة بأنه رَجُل الله. فقد وعده الرب بأرملة تُطعمه. ولكنها لا تطعمه جسدياً فقط بل وتشهد له بأنه رَجُل الله وان الله معه. كم هي غالية هذه الشهادة لإيليا وخاصة الآن بعد ان بدأ يرى الموت من كل ناحية بسبب ما تكلم به. ولكن الأرملة تبشر ايليا: ما هو على فمك هو من الله وليس منك، فلا تخف. الرب قدير، لا فقط على حفظ الحياة (عن طريق الزيت والدقيق)، لكنه قادر ايضاً ان يقيم الموتى. انظر ابني قد مات لكن الرب الهك اقامه. وهذا الإله الذي له القدرة على الموت وضع كلامه في فمك. هكذا تقول الأرملة :”الآن علمت انك رَجُل الله وأن كلام الله في فمك حق”. فكم هو عظيم تمييزك يا ارملة صيدون!!
نعم ارملة صيدون. وصيدون ملكها هو بعل وابنته ايزابيل التي تزوج منها آحاب ملك اسرائيل وبسببها عبد الشعب بعل وترك الرب. اي ان من صيدون دخل الشر والجفاف والموت الى اسرائيل، عن طريق زواج آحاب من ايزابيل ابنة الملك. من اجلها بنى معابد لبعل وادخل عبادته الى ارض اسرائيل. والآن ارملة من صيدون تطعم ايليا وتسنده ليستمر في رسالته ويحارب ذلك الشر.
ايليا يسمع من ابنة صيدون انه رجل الله، يسمع من تلك الأرملة التي نمت وترعرت على عبادة بعل، ان الله هو الرب وانه يتكلم بكلامه. كم
هي غالية تلك الشهادة. وبالأخص الآن، لان ايليا سيبدأ صراعه الحقيقي. نعم الصراع الحقيقي. فكل ما حدث حتى الآن كان لتحضيره لما هو آتٍ. فما هو؟
الى المرة القادمة…..
ايام مباركة.