للأب هاني باخوم
الفاتيكان، 28 يوليو 2010 (Zenit.org). – ايليا يسمع شهادة ابنة صيدون؛ الأرملة التي تقول: انت هو رجل الله. يسمع مِن التي عبدت دائماً بعل، او ابداً لم تعبد احداً، ان الله هو الرب وهو النبي المرسل منه. غالية هي تلك الشهادة. الآن يستطيع ايليا ان يبقى هنا، عندها، حتى تعبر المصيبة، حتى ينتهي الجفاف. فهي تؤمن به، وعندها ما يكفيهم وقت الاحتياج. الآن يستطيع ان يستقر ويهدأ. لكن الرب يعود ليكلمه. وفي كل مرة يتكلم الرب، تتحرك مياه الحياة الراقدة، فلا يسمح للإنسان وبالأخص للنبي بالاستقرار، بالدخول في حالة ثبات ورقاد.
فيقول الكتاب: “وبعد أيام كثيرة، كان كلام الرب الى ايليا في السنة الثالثة قائلاً: “إمض وأرِِ نفسك لأحآب، فآتي بمطر على وجه الأرض” (امل 18: 1).
“بعد ايام كثيرة”؛ فاسرائيل مازال في خطيئته. لا يفهم تدخل الرب من خلال الجفاف. لا يستوعب ان عليه الرجوع الى مصدر الحياة الوحيد. يموت من الجفاف ولا يفهم. فيستمر الرب في عمله الخلاصي. لا ييأس منه: الرب ينظر لوعده بالخلاص وليس لعدم امانة الشعب.
“آتي بالمطر”، لكن الشعب لم يتب بعد. فلماذا اذاً كل ما سبق؟ لماذا أيام الجفاف والموت؟ لماذا؟ اذا كان الرب ينوي ان يُرجع المطر حتى وان لم يتب الشعب. لماذا العقاب ثم العفو؟ لماذا الأرملة والإقامة هناك؟ لماذا موت الابن ورجوعه الى الحياة؟ اسئلة عديدة امام تدخل الرب بهذه الطريقة. لكن ايليا لا يقع في هذا الفخ، لا يسأل، بل “يمضي في الحال ويذهب ليقابل أحآب” (امل 18: 2). ايليا يعلم جيداً، انه لكي يفهم مشيئة الرب ويدرك فكره يجب اولاً ان يعمل وبعد ذلك سيفهم.
فيلاقي ايليا أحآب والذي معنى اسمه بالعبرية “اخا الأب” اي “العم”. والعم هو الذي يعتني بابن اخيه، او بأي ابن يوصى به، عالماً انه ليس بابنه، ليس مُلكا له. هو يرعى كأب ابن ابيه الحقيقي. لكن احآب تملك الشعب، اخذه بعيداً عن ابيه. وجعله ابن لأب آخر، لأب مزيف، “لبعل”. فيتقابل ايليا مع هذا العم، مع أحآب. وعندما يراه هذا الأخير يقول: ” أأنت ايليا معكر صفو إسرائيل؟” (1مل 18: 17).
هكذا يبدو، وهكذا يعتقد أحآب: المشكلة هي ايليا، فهو الذي جلب الجفاف على اسرائيل. بسببه وبسبب كلماته لم تمطر السماء من بعد. لكنه بقوله هذا، لا يرمي بالذنب على ايليا فقط بل بالأحرى لا يرى ذنبه هو. لا يرى خطيئته. لا يرى ان الجفاف بسبب اعماله وليس بسبب كلمات ايليا. وكيف يرى ذلك وهو أسير زوجته وآلهتها الغريبة؟ كيف يمكن للإنسان يرى اذا وضع عواطفه واحاسيسه قبل مشيئة الرب؟ كيف يمكن لأحآب ان يرى بعد ان وضع ايزابيل زوجته قبل الله في اولوياته؟ كيف يرى وقلبه منقسم؟ لكن، كيف يمكن لإيليا ان يحرر هذا “العم” من العمى، كيف؟
فيرد ايليا ويقول:” لست انا بمعكر صفو اسرائيل، بل انت وبيت ابيك بترككم وصايا الرب وسيركم وراء بعل” (امل 18: 17). ايليا يعلن له الحقيقة: لست انا المشكلة، ليست كلماتي هي السبب، بل لأنك تركت وصايا الرب. واول وصية للرب هي: احبب الرب الهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل قوتك. لكن أحآب احب ايزابيل الغريبة اكثر من الرب، تزوجها فحملته ليسير وراء بعل. وراء آلهتها. ومن اجل هذا كان الجفاف وتعكر صفو اسرائيل.
“تعكر الصفو” وهي ترجمة الكلمة العبرية “عاكار” والتي تعني يزعج، يجلب الضيق والقلق على شخص ما. يعتقد أحآب ان سبب الضيق الذي يحيا فيه والإزعاج وعدم الراحة التي يغرق فيها بسبب كلام النبي وتوبيخه. لا يعي ان الضيق والقلق لا يأتي الا بسبب خطيئته. نعم خطيئتنا هي التي تسبب لنا الضيق والقلق والإزعاج. خطيئتنا لا اقوال او افعال الآخرين، لكن كم من الصعب على الإنسان ان يصدق هذا. فمن الأسهل له ان يعتقد ان ضيقه وقلقه بسبب شر او عيوب الآخرين، او بسبب الصدفة او النصيب والقدر. لكن خطيئته الشخصية؟!….
كيف سيُقنع ايليا أحآب ونحن معه ان بعل ليس بإله؟ يأمر ايليا ان يجتمع كل انبياء بعل وعشتاروت والآلهة الاخرى. لماذا؟ ماذا سيفعل بهم؟ …..الى المرة القادمة.
ايام مباركة.