الاستراحة في سبت الله

Share this Entry

الفاتيكان، الاثنين 17 ديسمبر 2011 (ZENIT.org). – “بارك الله اليوم السابع وقدسه، لأنه فيه استراح من كل عمله الذي عمله خالقا” (تك 2، 3). لقد سبق وقلنا أن عمل الخلق في الفصل الأول من سفر التكوين هو سلسلة من عمليات والتمييز. ويشكل اليوم السابع التمييز الأخير، فيفصل الله إلى حد ما بين البعد الطبيعي والبعد المقدس. ولكن، فلنوقن جيدًا. هذا لا يعني أن هناك فصل مطلق بين ما هو يومي وعادي وبين ما هو مقدس وفائق الطبيعة. هذا المفهوم الازدواجي غريب عن لغة الكتاب المقدس. كل يوم هو تحت علامة بركة الله وخلقه والعيش في حضرته. ولكن، مع ذلك، فالإنسان بحاجة إلى فصول، وإلى تمايز بين الأيام لكي يختبر التقدم، وشوق الرجوع، واللقاء بالله. كل يوم هو للرب، ولكن هناك يوم خاص في الأسبوع هو للرب بشكل مميز جدًا.

يبارك الله اليوم السابع، معلمًا الإنسان ما يجب عليه أن يفعل بعد أسبوع العمل. أن يقف وقفة بركة أمام عمل يديه، أن ينظر إلى ما قام به بعون الله فيتلو البركة. ما الغاية من سرد الكاتب الموحى إلا أن يعطي للإنسان قدوة الله فيقتدي بها.

إن الإشارة إلى يوم السبت تحملنا إلى نصين في الكتاب المقدس يقدمان ويشرحان الوصية الثالثة: احفظ يوم السبت”. في النص الأول، نص الخروج، نقرأ ما يلي: “اذكر يوم السبت لتقدسه. في ستة الأم تعمل وتصنع أعمالك كلها. واليوم السابع سبت للرب إلهك، فلا تصنع فيه عملا أنت وآبنك وآبنتك وخادمك وخادمتك وبهيمتك ونزيلك الذي في داخل أبوابك، لأن الرب في ستة الأم خلق السموات والأرض والبحر وكل ما فيها، وفي اليوم السابع استراح، ولذلك بارك الرب يوم السبت وقدسه” (خر 20، 8-11).

يدعو النص الإنسان لكي يرتاح أسوة بالله، عائشًا على وتيرة الله. وقد يتساءل المرء. هل نحن بحاجة إلى وصية لكي نرتاح؟ أليس ذلك جل ما نريده؟ ألا نعمل كل الأسبوع وعيوننا تصبو نحو يوم الراحة؟ ألا ننتظر كتلاميذ مدارس وجامعات أيام العطلة؟ لم الوصية إذًا؟

الجواب هو أننا نجد صعوبة في الراحة لأننا نفهم العطلة كوقت “فش خلق”، كوقت نستطيع أن نضيعه ونحرقه، وإذا بنا نعود إلى أعمالنا تعبين أكثر من قبل. إذا ما نظرنا جيدًا: وقت الراحة والرفاهية هو أحيانًا من أكثر الأوقات التي تتركنا فارغي الأيدي والقلب. نضع فيها الكثير من الآمال، فتعود إلينا خائبة.

الكاتب الإلهي يقدم لنا أسلوب راحة مختلف، مليء بالمعنى: راحة الله ليست فشة خلق، وليست هروب، هي وقفة قلب أمام عمله في “أسبوع” الخلق. الله يرتاح ناظرًا إلى الوراء فيبارك خلقه، يبارك عمل يديه. يفرح بعمل يديه.

ولكن قد يتساءل البعض: من السهل أن نبارك عندما نرى أن كل شيء جيد، وجيد جدًا. ولكن أليس رياء أن نبارك عندما لا نجد إلا المصاعب والصلبان؟ كيف يبارك من يحمل صليب الألم؟ كل يبارك من فقد شخصًا عزيزًا؟

لا بد أن نوضح أن البركة ليست مرادفًا لتفاؤل أرعن، بسيط أو ساذج، على طريقة “كانديد” الشخصية التي يرسمها فولتيير. العيش في البركة ليس مرادفًا للتفكير الإيجابي الذي ينصح به بعض علماء النفس. البركة تولد من علاقة مع الله، من علاقة لا تنفي الألم، والألم بدوره لا يحطمها، بل يعطيها صلابة يصعب وصفها لمن لم يختبر دنو الله وقوته وحضوره في صُلب الصليب.

البركة ممكنة عندما نعتاد أن على اختبار حضور الله حتى في “ساعة التخلي” كما تُسمى بالعامية، مع أنه لاهوتيًا وكتابيًا لا مجال لساعة التخلي، فالله دائمًا حاضر، حتى في لحظة الموت، واختبار “التخلي” لا ينبع من تخلي الله بل من نظرتنا إلى الأمور. ولهذا يدعو معلم الصلاة الكبير، الراحل الأب أندريا غاسبارينو، إلى التدرب على صلاة الشكران، على صلاة البركة، فيقول أنها شبيهة بقاعة رياضية نُدرب فيها عضلات الروح لكي يعيش في حضرة الله في السراء والضراء. الأمر ليس سهلاً ويتطلب حرية قلب كبيرة، والنص التالي الذي يتحدث عن راحة السبت يعي هذا الأمر ويكمل النص الأول، وسننظر فيه المرة المقبلة.

الرب معكم.

Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير