من متراس الحرب إلى ميدان السلام

مقابلة مع السيدة جوسلين خويري (1)

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

حاورها روبير شعيب

الفاتيكان، الاثنين 24 أكتوبر 2011 (ZENIT.org). – جوسلين خويري هي أشهر مقاتلات الحرب اللبنانية، لمع نجمها خلال سني الحرب الأولى لقيادتها لفرقة باسلة من الشابات وراء متاريس بيروت، وتألقت في ما بعد لما عرفت أن تحول جأش الحرب إلى شجاعة الحوار والسلام. التقينا بجوسلين خويري بُعيد لقاء في روما حول “دور المرأة في التبشير الجديد”، هي التي عرفت في الماضي أن تحمل بشرى المسيح وصورة مريم إلى متاريس القتال لتحول القلوب وتردها إلى الإيمان بالرب، بالحب والتآخي، والتي تتابع اليوم رسالتها عبر مبادرات ومؤسسات عديدة حاملة رجاء المسيح الملموس إلى ضمائر النساء وإلى ديار العائلات. نقدم لكم هذه المقابلة على أيام من لقاء الأديان في أسيزي شهادة من “لبنان الرسالة”، بحسب ما وصفه يوحنا بولس الثاني، لأن التعايش بين أبناء الأديان المختلفة ممكن، وأن نداء السلام والأخوة ليس مجرد حلم أو وهم.

في القسم الأول من المقابلة، نترك لجوسلين الكلمة لتخبرنا عن مسيرتها من منطق الحرب إلى جنون المحبة والتسامح.

* * *

الدخول في ميدان الحرب مع مبادئ هو أمر بديهي. الخروج منه مع مبادئ وأحلام هو أمر أشبه بالعجائبي. من يتقرب من سيرتك يندهش أمام الطاقة الخلاقة التي انبعثت بعد تجربة الحرب، فيتوارد السؤال البديهي والمليء بالرغبة بالتعرف على من هي جوسلين خويري في سطور؟

ألخص حياتي بكلمتين “مسيرة مع العذراء” لأنها تلقت حياتي منذ البدء. ولدت في بيت مسيحي، أبي كان ينتمي إلى أخوية الحبل بلا دنس، وأمي كانت تعيش التقوى نحو العذراء. أنا شخصيًا لم أكن ملتزمة، بل كنت مأخوذة بالحياة الاجتماعية التي كنت أعيشها في بيروت. ولكن البذر الذي زرعه أهلي كان حيًا وقد ظهرت فعاليته لاحقًا خلال الحرب، خلال المعاشرة اليومية للموت.

عندما اندلعت الحرب في عام 1975، ظننا أنها ستدوم يومين. ولكن بالحقيقة دامت 16 سنة وما فوق، فدخلنا بدوامة سوداء كئيبة، وعندها بدأت التساؤلات؛ لم أعد أستطيع القبول بالرتابة البشعة التي ولدتها الحرب، التي هي رتابة موت، خطر وأفكار مشوشة. في خضم هذا الواقع بدأت بطرح أسئلة وجودية. ما معنى ما نعيشه؟ ما معنى أننا مضطهدون كمسيحيين؟ ما معنى مسيحيتي؟

أود التوقف على أمرين شكلا نقطة تحول كبيرة في حياتي:

النقطة الأولى: وراء المتراس في مدينة بيروت لم يكن هناك وقت للصلاة، للتفكير. كنا على بعد أمتار فقط من متراس العدو (وأقول أمتار، لا عشرات او مئات الأمتار). وعليه كان العدو قريبًا جدًا وعنصر المفاجئة قويًا جدًا. لم يكن هناك مجال للتبحّر المطول. ولكن كان عندنا في متراسنا صورة للعذراء نضيء أمامها شمعة ونغطيها لكي لا تنير كثيرًا، لكي لا يكتشف العدو تحركاتنا. وكان هذا بالنسبة لي فرصة لكي أتكل على تلك التي اتكل عليها أهلي.

النقطة الثانية ترتبط بحدث كبير جدًا في حياتي. في مبنى المتراس المذكور، كنت أنا المسؤولة عن 12 صبية قلن لأهلهنّ أنهن يحضرن السندويشات للمحاربين. ولذا كنت أشعر بمسؤولية كبيرة نحوهن. فأهلهنّ أوكلنهنّ إلي لثقتهم الكبيرة بي وبأهلي، وكان هذا ثقل مسؤولية كبير. أما الحدث المحوري فهو التالي. كنا في حالة وقف إطلاق نار، لأن مجموعة فلسطينية أتت من سوريا بغية تسوية الأوضاع سلميًا بين الأطراف المتقاتلة. كنا نقوم يوميًا بتمشيط المبنى خوفًا من تسرب العدو، وكنا نقوم بذلك دومًا اثنتين اثنتين. ولكن نظرًا للهدنة قررنا تمشيط المكان فرديًا. ولما حان دوري، صعدت إلى السطح. هناك حدث لي أمر غريب لم أعرف تفسيره، وحتى اليوم لا أجد تفسيرًا. سمعت أناشيد وأحسست بحضور فائق الطبيعة، هذا رغم أني لم أر شيئًا. كل ما أعرفه هو أنني وجدت نفسي راكعة ومصلية للعذراء. كانت هذه صلاتي الأولى، وقلت فيها لمريم: “أشعر أن هناك أمر سيحدث، إذا كان أحد سيصاب فأريد أن أكون أنا. أرجوك أن تحمي الصبايا”. وبينما كنت نازلة رأيت نحو 50 شخصًا يرتدون الكفيات، بدأوا بقصف مبنانا. حاربنا كصبايا نحو ست ساعات وكنا محاصرات. كان عدد المقاتلين الفلسطينيين نحو 300 شخصًا هددونا من بعيد بأبشع الأشكال. ولكي نتمكن من وضع حد للهجوم اضطررت أن أقفز إلى مبنى آخر وألقيت قنبلة قُتل فيها قائد اللواء. استيقظنا في اليوم التالي فوجدنا دمارًا كبيرًا حولنا.

هذه الخبرة جعلتني أشعر بأن الصلاة التي قمت بها كانت تنبيهًا من قِبَل حضور الله. فالله ليس موجودًا فقط، هو حاضر. كنا في مكان متروك من كل العالم، لا يمكن لأحد أن يصل إلينا، ولكن الرب كان هناك معنا، حاميًا وحارسًا لنا.

– ما كانت الخطوات التالية لهذا التحول، لهذه الخبرة التي تسمينها “صلاتي الأولى”؟

جوسلين خويري: بعد الخبرات التي أوردتها لتوي، شاركت في حرب “المائة يوم” ضد السوريين. خلال الهدنة بدأت بدراسة علم الاجتماع، ولكن كان هناك تساؤل في قلبي. فبعد سنة قررت البدء بدراسة اللاهوت، لأني لم أعد مكتفية بألا أكون خاصة الله بالكامل.

وبدأت البحث عن دير. جذبني الكرمل. في إحدى الأيام، في شهر سبتمبر، شعرت بأني سأجد الجواب. وكان قد تم تأسيس القوات اللبنانية، وزرت المركز الحربي، حيث قيل لي أن الشيخ بشير يسأل عني. ذهبت للقائه لأقول له أني سأرفض طلبه.

ولكن لما التقيت به بادر إلى القول: “بناتنا دايرين عالطرقات، ما في حدا يتابعهن”. بينما كان يتكلم بدأت أحلم بإعطاء الإنجيل للشابات والشباب وتعليمهم الإيمان المسيح
ي على حقيقته. ولذلك قبلت بالعرض.

كانت تلك فترة تمت فيها ارتدادات كثيرة. العديد من الشابات أضحين راهبات. كنا نقوم كل يوم بمشاركة الإنجيل. وبدأنا بالانتقال إلى الجبهات وتبشير الشباب على جبهات القتال. ولكننا توقفنا عن مشروعنا في مطلع عام 1985، تعبيرًا عن عدم الرضا على الدم الذي انساب في داخل القوات اللبنانية.

وماذا جرى بعد توقف نشاطك داخل القوات اللبنانية؟

جوسلين خويري: قمنا لفترة سنتين برياضات روحية مع الأب يوحنا خوند. ونتج عن ذلك فكرة “اللبنانية 31 أيار”، لأنه كان من المتوقع أن يكون يوم النظاميات في القوات اللبنانية. شعارنا كان: “كما أنت اليوم، سيكون لبنانك غدًا”.

السؤال الذي كان بيار الجميل يطرحه: “أي لبنان تريد؟” وجدنا له جوابًا ليس سياسيًا: الجواب هو الإنسان الذي يولد معه الوطن، الجواب هو المرأة التي يولد معها الوطن وأبناؤه. وأمامنا مثالان: حواء ومريم. لبنان بحاجة لمريم. ونحنا اخترنا مريم شفيعة لنا وراعية لكل مسيرتنا. وكان ذلك في عام 1988. وقمنا بالوعد الذي هذا نصه: “عهدي أنا اللبنانية أمامك يا رب وأمام امك العذراء مريم أن أعمل بوحي تعاليم كنيستك المقدسة من أجل مجتمع إنساني أفضل ووطن حقيقي يدوم”.

هدفنا كان خدمة لبنان بحسب قلب مريم. هي التراب الجديد الذي جلب لنا آدم الجديد، وهذا التراب فاض علينا.

في عام 1995 أجبنا على نداء يوحنا بولس الثاني في “إنجيل الحياة”، شاركنا في تأسيس جمعية “نعم للحياة” (Oui à la vie). وشرحنا مخاطر ذهنية منع الحمل، الإجهاض.

وفي عام 2000 فتحنا مركز يوحنا بولس الثاني للخدمة الثقافية، وهو يتضمن مشروع الخدمة العائلية الذي يهتم بـ 300 عائلة. دخلنا في ما نسميه “الحل الجذري”. وأسمينا فلسفتنا “ترميم الحياة العائلية”. مساعدتنا لا تكتفي بالمعونة المادية، هدفنا مساعدة العائلة لاستعادة سلامها، حياتها ورجائها. وقد فتحنا لهذه الغاية مركز للعلاج النفسي.

مع الوقت صار عندما مركز في الجنوب على المنطقة الحدودية. نقوم في تلك المنطقة الحساسة بمساعدة نحو 100 عائلة سنويًا. وقد أسهمنا من خلال ذلك في بقاء العائلات في الجنوب خصوصًا بعد الانسحاب الإسرائيلي. وقمنا بدفع المدارس للجميع، فرجعت الكثير من العائلات، وقدمنا العديد من المساعدات لكي يستطيع الأشخاص أن يستمروا في العيش في أراضيهم.

كما ونعمل في الدبية على توطيد التعايش الإسلامي المسيحي. وبقاء العائلات في أراضيها.

* * *

راجعوا القسم الثاني من المقابلة نهار الثلاثاء 25 أكتوبر 2011.

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير