زيارة البطريرك الراعي إلى العراق (2)

لقاء رئيس الجمهورية العراقية

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

بغداد، الخميس 3 نوفمبر 2011 (ZENIT.org). –  واصل البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي زيارته إلى العراق على رأس وفد ضمّ إلى غبطة البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان عدداً من الأساقفة والكهنة، وذلك في الذكرى السنوية الأولى لمجزرة كنيسة سيدة النجاة.

       قبل ظهر يوم الثلاثاء 1/11/2011، زار غبطته نائب رئيس الجمهورية العراقية السيد طارق الهاشمي الذي استقبله بالنيابة عن رئيس الجمهورية السيد جلال طلباني الموجود خارج البلاد، وقد رحّب بغبطته منوّها بالزيارة التاريخية لأول بطريرك ماروني إلى العراق والتي عكست تضامناً مشكوراً ووقفة عزيزة مباركة. وقال أن النسيج العراقي هو من صنع الله وهو صورة العراق الجميلة التي علينا ان نحافظ عليها على الرغم من النزاعات الشريرة التي تحاول القضاء على هوية العراق الحقيقية. وشدّد الهاشمي على أهمية دستور العراق الجديد الذي يساوي بين كل العراقيين ويجعل من الهوية الوطنية أساساً، مؤكداً أن لا خوف على أي من مكونات المجتمع العراقي الذي يحتاج إلى كل ابنائه مسيحيين ومسلمين للنهوض به من جديد. ولفت نائب الرئيس العراقي إلى أن الارهاب لا يميّز بين مسيحي ومسلم وهو يضرب الجميع بدون استثناء، وهذا ما يضعنا أمام مسؤولية كبيرة مشتركة تساهم فيها الكنيسة مساهمة فعّالة داخلياً وخارجياً، مؤكداً لغبطته أن دور الكنيسة مؤثر أولاً في تشديد أبنائها وتثبيتهم في أرضهم وحضّهم على عدم الهجرة كما وفي الضغط على الأسرة الدولية كي تساعد على ارساء دولة القانون والعدالة والانصاف والمساواة.

       ورداً على سؤال البطريرك الراعي عن الذين هاجروا العراق من المسيحيين، تمنّى الهاشمي أن يعودوا جميعاً إلى وطنهم كي يساهموا كمواطنين في اعادة بنائه، ولفت إلى أنه لا يمكن اخلاء الساحة إلى التعصّب والارهاب والقتل، فعمر العراق خمسة آلاف سنة وهو قلعة من قلاع البشرية، فلا يمكن التخلي عن هذا التاريخ لمصلحة من يريد تغيير وجهه ودوره. وأضاف لا خيار لنا سوى التوحّد وليعلم الجميع أن هذا البلد هو متنوّع، وأن المسيحيين فيه ليسوا بضيوف انما جذورهم تمتد إلى آلاف السنين. فلكل عملية تغيير ثمن يُدفع، ونحن ندفع معاً مسيحيين ومسلمين، لا يمكننا الهروب، فلقد توافقنا على التغيير وعلى بناء نموذج الكل فيه شركاء في الحقوق والواجبات، ولن يكون العراق ملكاً لا لدين ولا لعرق ولا لطائفة، فاطمئنوا لا يزال العراق بخير، وعهدنا أن نحافظ عليه، فجهودكم مطلوبة وأساسية لكي تعينوننا على ذلك.

       واعتبر الهاشمي ان الاميريكيين أخطأوا استراتيجياً في العراق وفي ادارة الوضع، وقد فكّكوا المؤسسة العسكرية وأضعفوها، ولم يقتنعوا بوجهة نظرنا، والاجابة تصعب علينا في تحديد أسباب وخلفيات ذلك. وحول الربيع العربي أوضح أنه ينظر اليه كاسقاط للنظام الشمولي، ولكن المرحلة الأصعب هي في بناء نموذج يلي هذا النظام. وتابع: نحتاج اليوم إلى اعادة الهيكلية السياسية إلى حكومة مدنية والى بناء دولة المؤسسات في مجتمع منفتح على الجميع، مشيراً إلى أن العراق لا يزال يتعثّر بتدخلات خارجية قريبة وبعيدة آملاً في أن يترك العراقيون وشأنهم في حلّ العديد من الأمور الداخلية.

       من جهته تمنى البطريرك الراعي الخير والسلام والازدهار للعراق بعدما ذاق معاناة مريرة، مؤكداً تضامن الكنيسة ولبنان مع قضايا الشعب العراقي، وقال: نتطلّع معكم إلى السلام والى رسالة الأديان السلامية في الشرق الأوسط ونتطلع إلى العراق وطن الثقافة والحرية والسلام. ونقل غبطته إلى نائب الرئيس العراقي تحيات فخامة رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال سليمان وتمنياته بالخير والبركة للعراق ولشعبه.

       بعد اللقاء أوضح الهاشمي للاعلاميين أنه وضع الوفد في صورة واقع الأمر في العراق وتوجّهات قادة هذا البلد في ما يتعلّق بالعهد الذي قطعوه مع الله في الحفاظ على النسيج الاجتماعي المبارك في العراق الذي يجمع المسيحي مع المسلم مع اليهودي مع اليزيدي مع التركماني…هذا النسيج هو عهد كرّسه الدستور وجعل كل العراقيين على نفس القدر من الحقوق والمسؤوليات. وأضاف: ان خطاب المساجد والحسينيات والدولة العراقية وخطاب منظمات المجتمع المدني هو معتدل اليوم، والمشكلة لا تتعلّق بهذه المؤسسات انما في جانب التعصّب والكراهية وأطراف معيّنة لا تريد الآخر، وعندما أقول الآخر أعني المسلم والمسيحي، فهي لا تريد اعتدالاً من أي جهة أتى. هذا التعصّب يشكّل تحدّياً كبيراً في وجه بناء دولة المؤسسات والعدل. والعالم أجمع يواجه هذا التحدي. والتعصّب بضاعة فاسدة لم تكن في يوم من الايام بضاعة عراقية انما جاءتنا عبر الحدود، ونطالب المجتمع الدولي في الوقوف إلى جانبنا في مواجهة ظاهرة التعصّب والكراهية.

       بدوره اعتبر البطريرك الراعي أن ما قاله نائب الرئيس يطمئن كثيراً، وقال: بالنسبة لنا كانت الزيارة مناسبة لكي نبيّن تضامننا مع الشعب العراقي وتضامننا ككنيسة في لبنان مع الكنيسة في العراق، والتأكيد أن الكنيسة هي في خدمة المجتمع ومتأصلة فيه. نحن نحمل الهموم معاً ونتعاون معاً من أجل بناء مجتمع نقبل فيه الواحد الآخر، وفهمنا تماماً المشكلة من أين تأتي، طبعاً نحن مدعوون من الداخل لأن نبني كل جسور الأخوّة والتعاون والترابط على مستوى كل بلد وعلى مستوانا في العالم العربي. ولكن علينا أيضاً أن نسهر وأن نندّد بكل ما يُستورد من الخارج من عنف يدم
ّر البلدان وان نعمل ايضاً على المستوى الدولي ونطالب بحقيقة حضارة هذه الدول وتاريخها، التي تحاول هذه الموجة الغريبة عنها أن تنال منها. ونتطلّع أن نعمل مع اخوتنا المسلمين المسؤولين في العالم الاسلامي على مستوى المبادىء والعيش معاً والاحترام المتبادل، وعلى رفض التكفير والعنف ورفض عدم الثقة بالآخر، وهذا ما نحن نلتزم به على المستوى المبدئي والروحي ونأمل من رجال السياسة ان يعملوا على تطبيقه في العمل السياسي الشريف.

       ونوّه غبطته بما سمعه من نائب رئيس الجمهورية من كلام يوحي بالثقة والاطمئنان، مؤكداً أن لا معنى لأوطاننا اذا فقدت تنوّعها.

       البطريرك اغناطيوس يوسف الثالث يونان قال بعد اللقاء: أسعدنا بلقاء سيادة نائب رئيس الجمهورية بمناسبة الزيارة التاريخية التي يقوم بها أخونا البطريرك الراعي وهو أول بطريرك ماروني يزور العراق بصفته البطريركية وبصفته رئيس مجلس بطاركة الشرق الكاثوليك، في ذكرى تفجير كنيسة سيدة النجاة، وهذا حافز لنا جميعاً كي نتطلّع نحو المستقبل بالرجاء أن الشعب العراقي يستطيع أن ينهض من الرماد الذي أوصله اليه العنف والارهاب لكيما يشرق بمستقبل حضاري مدني مبني على المؤسسات والديمقراطية والحريات المدنية والدينية ويكون نموذجاً للمنطقة والعالم.

       وبعد الظهر استقبل البطريرك الراعي في مكان اقامته في دار ضيافة رئاسة الوزراء عدداً من رؤساء الطوائف والكنائس والسفير البابوي في بغداد المونسنيور جورجيو لينكوا ووزيرة الهجرة السابقة باسكال وردة. كما ترأس قداساً ثانياً في كنيسة سيدة النجاة.

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير