سكرتير غبطة بطريرك الأقباط الكاثوليك

الفاتيكان، الأربعاء 30 نوفمبر 2011 (Zenit.org). - الحجر الذي رذله البناؤون صار راساً للزاوية، بهذه الاية ينتهي إنجيل الكرّامين القتلة (مت 21: 33 – 44)، فما علاقته بهذا الانجيل؟ معنى هذه الاية انه هناك حجر هذا الحجر رآه البناؤون عند بنائهم فامسكوه وتفحصوه. هم  بناؤون ولديهم الخبرة. وحكموا  على هذا الحجر انه غير صالح للبناء فرذلوه جانباً لانه يعوق عملهم لانه غير مجدي لمشروعهم بل بالعكس انه يعوقهم، لذا رذلوه. هذا الحجر صار راساً للزاوية اي صار حجرا اساسيا للبناء وبدونه لا يمكن الاستمرار في البناء. اي ان هذا الحجر الذي حكم عليه مَن لديهم الخبرة بانه غير صالح او بالاحرى بانه عائق قد صار حجراً اساسياً وبدونه لا يستقيم البناء. فما هو هذا الحجر الذي كان عائقا واصبح نقطة انطلاق؟ وما علاقته بإنجيل الكرّامين؟

 قصة الكرّامين، هي قصة سيد زرع كرمة ورعاها وسلمّها للكرامين. وبعد وقت يأتي  ليطلب الثمار. وهذا شىء طبيعي ويعتبر حقا له.  يرفض  الكرّامون اعطاءه الثمار ويبدأون في معاملة المرسلين بطريقة سيئة. يرغبون ان يتملكوا الكرم، فليس اماهم الا ان يتخلصوا من الابن الوريث  وبهذا يعتقدون انهم  تملكوه، لكن السيد يأتي ويطردهم ويعطي الكرم لاخرين.

هذه هي حالة الكرّامين: لم يقبلوا وضعهم ككرامي اجرة بل ارادوا ان يتملكوا الكرم. رفضوا ان يكونوا منتمين الى آخر وارادوا ان يستقلوا بالكرم. رفضوا تلك العلاقة مع السيد وارادوا ان يكونوا هم اسياد الكرم، وهذه الرغبة حولتهم من كرامين الى قتلة، وبهذا فقدوا حتى حالتهم ككرامين.

الكرمة، الى ماذا ترمز الكرمة في هذا الانجيل؟ عديد من التفسيرات: فالكرمة هي الخليقة التي سلمها الله للانسان، الكرمة هو الوسط المحيط بي وبك وتسلمناه من الله، الكرمة هي العائلة، الاصدقاء، الرسالة، اي ان الكرمة هي كل ما اعطي للانسان هي حياته نفسها. وامام هذه الكرمة الانسان مدعو ان يستثمرها ان يجعلها تثمر وان يعطي هذا الثمر لصاحبها، لله. وبهذا يحافظ الانسان على طبيعته، على دعوته كانسان في مشاركة  الله في الحفاظ على الخليقة. حيث يستلم الانسان ما لم يخلقه هو فينميه ويثمره وهكذا يصبح الانسان محافظا على الخليقة، مشاركا الله في كرمه.

لكن الانسان برفضه لواقعه كانسان: اي ان وجوده واستمراريته تعتمد على غيره، على الله.  برفضه للاحداث التي تواجهه عامة، اي حدث معين قد اصابه: موت قريب او مرض ما او اعاقة او فشل او اي حدث يجعله يرى بوضوح انه ليس بسيد لحياته. خيانة عزيز له او اهانة مِن مَن احب او اي حدث من الاخر يجعله يلمس واقعه كانسان بسيط وليس بسيد على العلاقات. او رفضه لاي شىء يجعله يدرك  ان لا شىء بالحياة ثابت ومضمون. امام هذا الواقع  يريد ان يتملك تلك الكرمة، ان يتسيدها هو، وان يستولي على ثمارها لنفسه. فيصبح كل شىء لذاته، كل شىء يحوله لخدمته ولمصلحته. فالخليقة تصبح له ومن اجل متعته، العائلة تصبح سند وعون له، الاشخاص له، العلاقات له، الرسالة له، كل شىء له، كل شىء له لخدمته هو، لكي يصير سيد ورب لذاته. وبفعله هذا ولكي يحافظ على تلك الكرمة لذاته لا يستطيع الا ان ياخذ سلاحه ويقتل كل من يشعره بانه ليس بسيد الكرمة. يقتل وان لم يسفك الدماء، لكنه يقتل بمعنى انه يمحي وجود هذا الشخص من الكرمة. يمحيه من محيط علاقاته، ينفيه من عائلته، يقتل العلاقة به. كل هذا لانه يذكره بانه ليس بسيد. يقتل او يتهرب منه او يحاول ان يتناساه ان كان حدث معين، ان يهرب...امام صعوبة زواج معين او ثقل رسالة ما، الانسان يهرب، يهرب مع شخص اخر، يهرب مع متعة اخرى، يهرب مع اي شىء يجعله ينسى واقعه،اي انه ليس بسيد بل هو انسان.

وبهذا يفقد الانسان دعوته ورسالته لاعطاء ذاته، لحب الاخرين، والتي فيها تمام سعادته وكماله، يفقد الانسان مشاركته لله في الحفاظ على الخليقة ويتحول الى عبد، عبد لذاته، عبد لرغباته، عبد لاهوائه. الانسان الذي اراد ان يتحرر من الله ليصبح هو سيد الكرمة يجد نفسه عبدا لنفسه ومجبرا باشباع ذاته وفاقدا للكرمة ولكرامته.

يبقى الحجر الذي رذله البناؤون، يبقى هذا الحدث، هذا الواقع ان الانسان ليس بالله، ليس سيد نفسه. الحجر هو تلك الواقعة التي تذكرك بذلك. الحجرهو ذلك المرض، ذلك الالم الجسدي او النفسي، ذلك الفشل، انه الصليب الذي نريد كلنا الهروب منه. هذا الصليب الذي ظهر للبنائين وكانه عائق لبنائهم، لتحقيق سعادتهم، اصبح رأساً للزاوية، اي ان منه ستكون نقطة الانطلاق لبناء تلك السعادة.

قيامة المسيح هي دليل وعربون لذلك، المسيح الذي ما كان انسانا، لكنه صار انسانا و ليس فقط انسان بل اخذ صورة العبد وحمل ذلك الصليب حتى الموت، رفعه الله واعطاه سلطانا على كل ما في السموات والارض. واعطى لكل من يؤمن به المقدرة لكي يصير مشاركا له في هذا الميراث.

هذا هو انجيل اليوم، خبر مفرح لكل من يرغب ان يصير سيدا وربا، لكل من يرغب ان يحيا حياة بلا نهاية، حياة ابدية، هذة هي مشيئة الرب ، انه يرغب في ذلك. لذلك اعطانا الرب الكرمة ويأتي ليطلب الثمار. لكن ما هي تلك الثمار؟ هذا ما سنراه في المرات  القادمة...

أيام مباركة.