بقلم روبير شعيب

الفاتيكان، الجمعة 25 نوفمبر 2011 (Zenit.org). – يجسد يسوع ببساطة، عفوية ودون تصنع الأنتروبولوجيا التي تحدثنا عنها في القسم السابق من المقالة. إيماءات يسوع هي فعل تواصل فعال، لا بل هي فعل وحي بكل ما في الكلمة من معنى. انطلاقًا من إيماءاته البسيطة (مثل نظراته، تعابير وجهه، حركات يديه، لمسه، صوته...) ووصولاً إلى مبادراته العالية الرمزية واللاهوتية (مثل غسل الأرجل، كسر الخبز،...): نجد باستمرار أن حياة يسوع العامة هي غنية ببوادر وإيماءات تتحدث بوضوح عن نيته العميقة. هذه النية هي أن يظهر ووويبين قلب الآب من خلال التواصل المتعدد الحواس الذي يسعى يسوع لإقامته مع الناس.

علاقة يسوع بالآخرين لا تقتصر على الكلمة، بل تمر من خلال البوادر، من خلال اللمس عن كثب. وهكذا، لا يكتفي يسوع بقول: "اشفى" للأبرص، بل يشفيه من خلال اللمس (راجع مت 8، 3)؛ كما ويلمس المرضى لكي يشفيهم (راجع مر 1، 41). أمام تذمر التلاميذ من طلب بعد الأهل من يسوع أن يبارك أولادهم، نجد يسوع يداعب الأولاد، يحملهم في ذراعه، يضع يديه عليهم ويباركهم (راجع مر 10، 16).

لا يقوم يسوع بأعاجيب الشفاء كعجائبي متسامٍ يتلفظ بكلمات من علياء قداسته، بل ينحني، ينحدر، ويعبّر قبل الشفاء الجسدي عن قرب الله وحنّوه، شافيًا قبل كل شيء من آفة التهميش. يخبرنا يوحنا مثلاً أن في شفاء الأعمى، يقوم يسوع بالتفل على الأرض، بجبل التراب، وبمسح عيون الأعمى بما جبله (راجع يو 9، 6).

إلى جانب الاتصال الجسدي نرى في الأناجيل تنوعًا من الأصوات والعواطف التي يعبر عنها يسوع من خلال جسده. فأحيانًا يعبّر عن بعض الحقائق صارخًا: "وفي آخر يوم من العيد، وهو أعظم أيامه، وقف يسوع ورفع صوته قال: ’إن عطش أحد فليقبل إلي، ومن آمن بي فليشرب كما ورد في الكتاب: ستجري من جوفه أنهار من الماء الحي‘" (يو 7، 37 – 38). أمام الفريسيين الذين بأتون إليه بامرأة فوجئت في زنى، لا يجيب يسوع فورًا بكلام، بل يقوم بالكتابة على الأرض معبّرا عن استنكاره ورفضه لمنطقهم وطريقة تصرفهم وحكمهم: "انحنى يسوع، وبدأ بالكتابة بإصبعه على الأرض" (يو 8، 6).

بكلمة، يمكننا أن نقول بكل تأكيد أن يسوع لم يكم "ناطقًا" باسم الله ينقل آياته بحالة انذهال (trans) أو انخطاف، بكل كان يجسد رسالة الله وكلمته، كان يقيم علاقة مع من يصغي إليه، علاقة وخبرة تتطرق لحواس عدة، وكان يقوم بوساطة في رسالته يحمل من خلالها خبرة ملكوت الله إلى اعتيادية الخبرة البشرية.

(يتبع)