بكركي، الثلاثاء 15 نوفمبر 2011 (Zenit.org). – تذكر الكنيسة اليوم بشارة الملاك لزكريا بمولد يوحنا، وتفتتح بها زمن المجيء، المعروف بزمن الميلاد، لأنّ يوحنا السابق هيّأَ طريق الرب يسوع، كما الفجر يسبق طلوع الشمس. فيوحنّا هو آخر نبيٍّ في العهد القديم، تكلَّم عن المسيح الآتي، وأول نبيّ في العهد الجديد أعلنَ أنه أتى. ولأنَّ اسم يوحنا يعني “الله رحوم”، فيعلن أن رحمة الله اتخذت جسداً بشرياً، واسماً في التاريخ هو يسوع المسيح. فلا خوف بعد الآن، لأنَّ الرحمة الإلهية فاعلة في العالم من خلال الكنيسة وأبنائها وبناتها ومؤسساتها. هذا هو مضمون كلمة الملاك: “لا تخف يا زكريا، ستلدُ لك امرأتُك أليصابات إبناً، فسمّه يوحنّا، وسيفرح بمولده كثيرون”.
2. يسعدنا أن نحتفل اليوم بهذه الليتورجيا الالهية مع رابطة كاريتاس لبنان، رئيساً ومجلساً ومكتباً وأقاليم ومراكز ومرشدين، لنحييَ اليوم الوطني للمتطوِّعين، بحضور نيافة الكردينال Robert Sarah رئيس المجلس الحبري Cor Unum – قلب واحد، المعنيّ بشأن خدمة المحبة على المستوى الاجتماعي، باسم الكرسي الرسولي وقداسة البابا.
صاحب النيافة،
يسرني أن أرحب بك في لبنان، باسم مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان. أود أيضًا أن أشكرك لحضورك بيننا ولتخصيص كاريتاس-لبنان بهذه الزيارة بصفتك رئيس المجلس الحبري “قلب واحد”. أنت تعبّر عن اهتمام الكنيسة نحو المحتاجين، لكي يتم تعزيز الأخوة البشرية وإظهار محبة المسيح. أشكرك لأنك خصصت حصة هامة من وقتك لزيارة بعض مراكز كاريتاس-لبنان لتشجيع شهادة المحبة الإنجيلية التي هي الوجه الخاص لرسالة الكنيسة، ولتعزيزك لمختلف مشاريع نشاطات التعاون والمساعدة الأخوية التي ترمي إلى النمو المتكامل للشخص البشري ولتقدم المجتمع.
نتمنى لك إقامة طيبة في لبنان.
يأتي الاحتفال اليوم في موقعه، لأنّ المتطوعين والعاملين في مراكز رابطة كاريتاس إنما يواصلون دور يوحنا المعمدان، أعني خدمة الرحمة الالهية المُترجَمة بأفعال محبة لمساعدة الإخوة في حاجاتهم، ولإنماء الشخص البشري والمجتمع، وفقاً لتعليم الكنيسة الاجتماعي، فتزرع الفرح والرجاء في القلوب.
3. تنطلق خدمة المحبة في الكنيسة، كما خدمة رابطة كاريتاس ومثيلاتها من المؤسسات الكنسية، من الليتورجيّا الإلهية، حيثُ تتجلّى محبةُ الله ورحمتُه في شخص يسوع القرباني، وندخلُ في حوارٍ مع الله الذي يكشف إرادتَه لنا ولكلِّ واحد منا، ويفتحُ قلوبنا على إخوتنا البشر.
في الهيكل وأثناء خدمةٍ ليتورجية هي حرق البخور، تراءى ملاكُ الربِّ لزكريا ونقل إليه البشرى من لدنِ الله. الليتورجيّا تُسمّى “إلهية” لأنها “عملُ الله” الذي يشاركُ فيه الشعبُ المؤمنُ بقيادةِ الكاهن. الله حاضر في هذا العمل الليتورجي، حاضرٌ بكلامِه هادي العقول والضمائر، وحاضرٌ بنعمتِه الشافية من الخطيئة والمالئةِ النفوس بالحياة الإلهية، وحاضرٌ بمحبته التي تحرِّك القلوب، وحاضرٌ بروحه القدوس الذي يُلهم المؤمنين على أجملِ مبادرات المحبة ومشاريعِها وبرامجِها.
4. إن البشارة لزكريا بمولدِ يوحنا، المدعوِّ ليهيّئَ طريق الرب، يُوحي لنا أنَّ الحياةَ البشرية عطيةٌ من الله للعائلةِ والكنيسةِ والمجتمع، ومصدرُها اللهَ بواسطةِ الزوجين، وبالتالي هي مقدَّسة وذات كرامة. ما يقتضي الاعتناء بها، والمحافظة عليها، وإنمائها. إن خدمة المحبة الاجتماعية تهدف الى تحرير الأشخاص من كل ما يُعيق نموَّهم الانساني والروحي والاجتماعي والثقافي، ذلك أن “مجد الله هو الانسان الحي” (القديس إيريناوس)
ما زلنا في لبنان نعيش نتائج الحروب على أرضنا، ونتائجَ الخلافات السياسية على مستوى الحكم، ومفاعيلَ الفساد في الإدارات العامة وهدرِ المال العام، وهي ظاهرة في أزمةٍ اجتماعيةٍ واقتصاديةٍ تُطاول الأفراد والعائلات، وتظهر على مستوى حاجاتِ السكن والصحة والتربية وفرص العمل، وتسبّب هجرة تُفقدنا خيرة قوانا الحيّة.
5. فلا بدّ هنا من التنويه بما قامت به كاريتاس لبنان حتى الآن من مراكز إنسانية لذوي الاحتياجات الخاصة والمسنين في فغال وزحلة وعندقت؛ ومعهد تقني فني في البقاع؛ وموائد الصداقة ونادي الجَد والجَدّة في صور وفرن الشباك والدكوانه وبرج حمود والكورة وكفردلاقوس؛ وبرنامج دروس مسائية في القليعة – مرجعيون والنبعة والقبيات وطرابلس وجبيل وزحلة؛ والعيادات الصحية النقّالة التي تغطي حوالي 650 بلدة وقرية على كافة الأراضي اللبنانية بالإضافة الى المراكز الصحية الثابتة التي تؤمّن لهم الأدوية وفحوصات الدمّ والمعاينات الطبية؛ والمختبر الزراعي النقال الذي يجوب المناطق الجبلية الزراعية لفحص التربة والمياه وإرشاد المزارعين؛ ومشاريع التصنيع الغذائي في دير الاحمر وعين ابل وجزين؛ وتربية النحل واستخراج العسل في كفرحي – البترون؛ ومشغل الصابون البلدي في ضهر العين -الكورة؛ وعصير التفاح الطبيعي في مجدليا-زغرتا؛ وزراعة الكرمة والنباتات الرحيقية في البقاعَين الشرقي والغربي؛ ومشاغل الخياطة للنساء في قنات – بشري وقب الياس – البقاع الاوسط؛ ومركز اللاجئين الأجانب وبخاصة العراقيين، الذي يحتضنهم ويقدِّم لهم الخدمات الانسانية والقانونية.
وبما أن الاوضاع الاجتماعية والاقتصادية تزداد سوءاً، والحاجات الم
عيشية تتزايد، ينبغي علينا جميعاً أن نُساعد المعوَزين لكي نرمِّم الأخوّة ونحققها كاملة في كل المناطق والطوائف والمذاهب والطبقات الاجتماعية، جاعلين الانسان، كل إنسان، الهمّ الاول والاخير. وهذا ما أنتم فاعلون يا أسرة رابطة كاريتاس، بحكم كونها جهاز الكنيسة الاجتماعي في لبنان.
ولكنَّ تفاقم الحاجات يستدعي تعزيز العمل التطوعي وتشجيع المتطوعين. وفيما نعرب عن التقدير والشكر للأقاليم على نشاطاتهم، فلا بدّ من توسيع رقعة الخدمة للمسنين المنسيين والاطفال واليتامى والمعوَّقين والمعوزين، باحثين عن الذين لا يقرعون ابواب المراكز، بل هم مختبئون في البيوت إما حياءً، وإما لعدم المعرفة، وإما لعدم القدرة على التنقُّل. وإننا ندعو رابطة كاريتاس أن تُضاعف الجهود في تنفيذ مشاريع تنموية في المناطق الجبلية والريفية تمكّن المواطنين من تثمير أراضيهم ومنتوجاتها، فيعيشوا في كفاية وبكرامة. ونذكر في صلاتنا كلَّ المحسنين على الرابطة، الذين يمكّنونها من خدمة المحبة في المساعدات والمشاريع التنموية.
لقد أنشأنا في الكرسي البطريركي دائرة الشؤون الاجتماعية والانمائية، عملاً بتوصيات المجمع البطريركي الماروني والارشاد الرسولي “رجاء جديد للبنان”، من اجل تعزيز العمل التنموي بالتنسيق مع رابطة كاريتاس وسواها من المنطمات المماثلة، وإيجاد مصادر لتمويلها من الداخل والخارج، وإشراك العلمانيين والرهبان والراهبات والهيئات الاجتماعية، مع مراعاة المسؤوليات والخصوصيات. وهكذا تكون الشهادة لمحبة الله شهادة كنسية شاملة (رجاء جديد للبنان، 101 و 103).
6. وإننا في المناسبة نطالب السلطة السياسية بجوهر عملها وهو الاعتناء بالمواطن كل مواطن وبإنمائه روحياً وإنسانياً وثقافياً واقتصادياً، فتوفِّر له أسباب الحياة الكريمة: الغذاء والكسوة والصحة والعمل وتأسيس عائلة؛ والاعتناء بالطفل والمسنّ والمُهمَل والمظلوم واللاجئ والمتروك؛ وحماية سلامة المواطن من جميع أنواع التعدّي عليه، وعلى حياته وعلى جسده وعلى كرامته(شرعة العمل السياسي، ص 8).
ونطالب السلطة السياسيةبأن تُعزِّز الحياة الاقتصادية والاجتماعية، بدعم الانتاج الصناعي والزراعي والسياحي والخدماتي وجذب الاستثمارات؛ بالحدّ من الفساد وضبط المال العام، وجعل النظام الضريبي أكثر عدالة وفعالية؛ إصلاح السياسة التقدية وتسديد الديون؛ تحديث التشريعات لمواكبة العولمة وإحلال الثقة لدى المُستثمرين؛ فتطبيق المبادئ الاخلاقية والمناقبية في كل هذه الامور(المجمع البطريركي الماروني، النص 21: الكنيسة المارونية والقضايا الاقتصادية، 36-54).
ونطالب السلطة السياسية بأن تولي الطاقات الشبابية اهتماماً خاصّاً. لأنها ثروة البلاد الكبرى، وقوّتها التجددية في المجتمع والكنيسة. فمن واجب الدولة أن توفِّر للشباب ثقافة علمية ومهنية، مع تربية إنسانية وأخلاقية ووطنية تهيّئهم للإشتراك الواعي في الحياة الوطنية، وللإنخراط في وظائف القطاع العام، وتؤمّن لهم فرص العمل وفقاً لمهاراتهم وكفاءاتهم، ما يتيح لهم البقاء في وطنهم وتحفيز الإبداع على أرضه وتأمين مستقبلهم فيه، ويفتح أمامهم أبواب الرجاء بمستقبل أفضل وتحوّلات ممكنة(المجمع البطريركي الماروني، النص 11: الشبيبة؛ شرعة العمل السياسي، ص 33 / و).
يا رب، أنتَ علّمتنا أنَّ الطريق إليك يمرّ عبر الاهتمام بالأخ والاخت في حاجاتهما، وإننا في مساء الحياة سنُدان على المحبة والرحمة تجاه “الإخوة الصغار”، الجائع والعطشان والعريان والغريب والسجين والمريض.
نسألك أن تبارك رابطة كاريتاس والقيّمين عليها والعاملين والمتطوّعين في مراكزها وأقاليمها، وأن تبارك كل محسن ومحسنة، لكي تتواصل محبتُك لكل الناس في مختلف ظروف حياتهم. لك، أيها الآب والابن والروح القدس، كلَّ مجدٍ وتسبيح الآن وإلى الأبد، آمين.