يسوع ولغة الجسد

يسوع الناصري ووسائل الاتصال الحديثة (4)

Share this Entry

بقلم روبير شعيب

الفاتيكان، الثلاثاء 15 نوفمبر 2011 (Zenit.org). – إذا ما تخلينا للحظة عن “النظارات الأخلاقية” التي نحصر فيها قراءة الأناجيل، ونظرنا إلى هذه الكتب الأربعة الصغيرة بعين الدهشة، لوجدنا الكثير عن يسوع عبقري التواصل.

نكتشف، مثلاً، أن هذه الأناجيل، – خلافًا للأناجيل المنحولة مثل إنجيل مريم وإنجيل توما –  ليست مجرد مجموعة من أقوال يسوع. الأناجيل القانونية هي تصوير حي يضم سوية تصرفات وأقوال يسوع. إذا ما نظرنا بانتباه، وجدنا أن الأناجيل تفيض بالكلام عما يفعله يسوع، عن حركاته، إيماءاته، وسمات وجهه. يسوع ليس مجرد “ناطق رسمي” يتلفظ بالكلمات من منبر جامد، يسوع يتحرك، يلمس، ينظر، يحدق. حتى عندما يتكلم، يسوع يرفق كلماته، فنرى أنه لا يحاكي الآذان وحسب، بل يحفر في القلب والذاكرة.

إن الوثيقة المجمعية التي سبق واستشهدنا به “كلمة الله”، تلفت انتباهنا إلى أن مشروع الخلاص الإلهي قد تم في “أفعال وكلمات مترابطة في ما بينها”[1]. هذا البعد المميَّز والمميِّز للوحي الإلهي يظهر بشكل واضح في وجود يسوع المسيح.

لم يكن يسوع مدير قناة تلفزيونية، ولكنه كان يعرف حتى قبل أكثر من 1900 سنة من اختراع التلفاز أهمية التواصل المرئي، أهمية الموضع الذي يتم فيه التواصل. نرى في الأناجيل العناية الخاصة التي يكرسها يسوع لاختيار الأماكن التي كان يتحدث منها إلى الجموع. وهكذا، يخبرنا إنجيل متى أن يسوع، قبل أن يتلو ما يعرف باسم “عظة الجبل”، يصعد إلى الجبل لكي “يبثّ” البشرى السارة (راجع مت 5، 1).

ولوقا، بدوره، يعلمنا أن يسوع كان يصعد على قارب بطرس وكان يدعوه إلى إبعاده قليلًا عن الشاطئ لكي يخلق بيئة فعالة للحديث إلى الجموع (راجع لو 5، 3).

في إطار آخر، نجد أن يسوع – عندما كان يبغي أن يلقي خطابًا حميميًا – كان يدعو تلاميذه ويأخذهم إلى مكان منفرد وكان يقضي الوقت معهم (راجع يو 11، 54). وعندما أراد أن يقوم بـ “الحوار” الأكثر حميمية، ذلك الحوار الذي وهب تلاميذه خبز جسده وخمر دمه، اختار يسوع موضعًا حميميًا جدًا، العلية، لكي يرافق ما سيفعله ببيئة مناسبة.

إلى جانب اختيار الأماكن، نجد أن يسوع كان يستعمل ببساطة وعفوية إمكانيات التواصل التي توفرها مختلف حواس الشخص البشري، وليس فقط الصوت ومختلف نبراته، بل أيضًا اليدين، الوجه، العيون…

إن الاكتشافات التي تمت مؤخرًا حول أهمية “لغة الجسد” (body language) بينت أن أكثر من 90 % من التواصل بين الأشخاص يتم من خلال الجسد، وفقط أقل من 10 % من خلال الكلمات. هذا الردح الواسع من الأهمية للغة غير المحكية يحثنا على إعادة اعتبار التواصل من خلال تعابير الجسد والوجه.

وهذا ما سنتوقف عليه في القسم التالي من المقالة.

(يتبع)

[1] «gestis verbisque intrinsece inter se connexis»: Dei Verbum, n. 2.

Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير