مباركة انتِ في النساء

بكركي، الاثنين 28 نوفمبر 2011 (Zenit.org). – ننشر في ما يلي العظة التي تلاها البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي أثناء القداس الاحتفالي الذي ترأسه في كنيسة السيدة في الصرح البطريركي في بكركي.

Share this Entry

* * *

1-                  عندما دخلت مريم بيت زكريا، وهي حاملٌ، بيسوع الإله، جنيناً في بطنها، امتلأت أليصاباتُ من الروح القدس، فحيّتْ مريم “بالمباركة بين النساء، وبأمِّ الإله ربّها، وبالمباركة ثمرة بطنها”. وقد أدخلت الكنيسة كلمات نبوءتها في صلاة “السلام الملائكي”. واذا بالأجيال تردّد التحية لمريم امنا وأم الكنيسة “مباركة انت في النساء”، فترتفع كرامة المرأة وقدسيتها وينطبع بهما دورها في العائلة والكنيسة والمجتمع.

2-                  نحتفل بهذه الذبيحة الالهية وفي القلب غصّةٌ وفرح.

أما الغصّة فهي أنّنا ودّعنا هذا الاسبوع شهيدة الطهارة الصبية مِريام الياس الاشقر من ساحل علما، فيما كانت متّجهة ظهر الاثنين الماضي كعادتها الى دير سيدة البشارة المعروف بدير سيدة بقلوش والمسبحة في يدها، لاسيما وان الاسبوع الماضي كان مخصّص ليتورجيّاً لتكريم سيدة البشارة. فحاول ناطور الدير وهو سوري الجنسية اغتصابها فقاومته، فضربها على رأسها بآلة حادّة ثم ذبحها ووضعها في كيس ورماها في الهاوية. يا لها من جريمة وحشية ضدّ الله والانسانية! اننا ندينها أشدّ الإدانة وندعو الدولة لإنزال أقسى العقوبة بالمجرم القاتل.

يشاركنا في هذا القداس الالهي، الذي نقدّمه لراحة نفسها وعزاء ذويها، والداها وشقيقاها وشقيقتُها، وعددٌ من اهلها واصدقائها، وأبناءُ وبناتُ رعية مار نوهرا ساحل علما، وحركةُ التجدد بالروح القدس، وعيلةُ مار شربل والكشاف، وفي مقدّمتهم جميعاً اصحاب المعالي والسعادة. اننا نُحيّيهم، ونجدّد لهم تعازيَنا الحارة مع أعمق مشاعر الأسى والحزن، ونرفع الصلاة معهم من أجل العزيزة مِريام، التي تُحيط استشهادها امنا مريم العذراء، في ذكرى بشارة الملاك لها، وفي ذكرى زيارتها لنسيبتها اليصابات، ام يوحنا المعمدان. وما يُعزّي اهلها وايانا جميعاً، هو انها تنعم بالمجد بين الشهداء، ولاسيما الشهيدات اللواتي حافظن على فضيلة الطهارة حتى استشهاد الدم، ورفعتهنَّ الكنيسة قديسات على مذابحها. نذكر من بينهنّ الصبية الشهيدة القديسة ماريا غورِتّي Maria Goretti الايطالية.

3-                  وفيما نُحيّي معالي وزير الداخلية العميد مروان شربل، بحضوره معنا، على رأس المصلّين والوافدين لهذه المناسبة، نودّ أولاً ان نشكره والقوى الامنيّة والجيش، على كل الجهود التي بذلوها لاكتشاف مكان الجثة، وتوقيف الجاني، واجراء التحقيقات اللازمة. اننا نحمّلك، معالي وزير الداخلية، الاستنكار العام، والمطالبة بأن تُنزِل العدالةُ القضائية أقسى العقوبة بالمجرم، وأن تسهر قوى الأمن الداخلي على أمن المواطنين وحمايتهم من أي اعتداء على حياتهم، بالقتل أو الخطف أو الاحتجاز أو الضرب، وعلى سلب مالهم وممتلكاتهم، وعلى كرامتهم وجنى أيديهم؛ وهي اعتداءات تتزايد بشكلٍ غير مسبوق وتُرعبُ اللبنانيين. ونطالب الدولة بضبط السلاح، وبتحمّل مسؤولياتها، التي أوّلها حماية المواطنين من مثل هذه الاعتداءات. كما نطالبها التقيّد بالشرعية الدولية، ولاسيما في ما يختص بالمحكمة الخاصة بلبنان، من أجلِ الحقيقة والعدالة في بلدنا لبنان، الذي هو عضو مؤسس في منظمة الامم المتحدة، والذي رئِـس هذه السنة دورة مجلس الامن. واننا نحذّر من مغبّة عدم التقيّد بها.

4-                  ونحن من جهتنا نطالب المسؤولين عن الأديار والمراكز والمؤسسات الدينية المسيحية، حفاظاً على قُدسيتها وحرمتِها ورسالتها، بعدم إيكال حراستِها لأجانب غير مسيحيين، أو إيوائهم في حرمِها. كما نطالب الدولة بتنظيم العمالة الاجنبية من أي جنسية كانت، لاسيما المشبوهة منها، واخراجها من العشوائية، وبمراقبة تصرفاتها وتحركاتها. وندعو اللبنانيين الى تحمّل مسؤولية العمل على أرض لبنان في كل القطاعات والمؤسسات، وندعو النقابات للعمل على تأمين القوانين اللازمة، التي ترعى، على السواء، شؤون العمال والموظفين وأرباب العمل. غير أننا نُقدِّر الأجانب الذين يعملون بإخلاص، ويكسبون مالهم باستحقاق، ويتصرَّفون بأخلاقية تحترم قوانين دولتنا وانظمتها.

5-                  وأما الفرحة فهي بحضور البروفسور الدكتور جورج حلو، عالم الفضاء الاميركي، ابن جزين، مدير وكالة الفضاء الاميركية NASA في لوس انجلس. أهلاً بكم بروفسور جورج وبعائلتكم في الوطن لبنان وبصحبكم الكرام وفي طليعتهم رئيس واعضاء المؤسسة المارونية للانتشار. نحن، ولبنان كله، يُفاخر بكم وبعطاءاتكم ومواهبكم وابداعكم في عالَم الفضاء. نشكر الله معك على الموهبة والنبوغ في علوم الفيزياء الفلكية والراديوية، والاشعة تحت الحمراء (infrarouges ( التي رسمتَ بواسطتها خريطة السماء والمجرّات من الفضاء. ونُهنِّئُك بما ترقَّيتَ اليه من مهامٍ ادارية، حتى عضويتك في الجمعية الفلكية الاميركية، وفي الاتحاد الدُّوَلي للفلك. إنَّ عالَمَ الفلك مدين لك بما رفدته به من ابحاث ومحاضرات. ما جعلك تنال العديد من الجوائز والاوسمة، للتفوّق الاكاديمي والخدمات العامة والانجازات الاستثنائية.

6-                  اننا في المناسبة نحيّي شبيبتنا اللبنانية، ونشجّعها على تثمير ما وهبها الله من كفاءة على العلم، وندعوها الى تحصيل العلوم بقدر التضحيات التي يبذلها الاهل، والامكانات التي توفّرها المدارس والجامعات. وندعو الى خلق جوٍّ ملائمٍ للدرس والتعمّق في الابحاث، بعيداً عن اللهو وهدر الوقت في شؤون تأتي على حسابهم ومستقبلهم.

لقد ع
قد مجلس البطاركة والاساقفة الكاثوليك في لبنان طيلة الاسبوع الفائت دورته في هذا الكرسي البطريركي، وخصّصها لموضوع “الشبيبة : واقعها ودورها في حياة الكنيسة ورسالتها”. وتوقّف عند كون الشبيبة ثروة لبنان الكبرى، واتخذ قرارات وتوصيات بشأن تنشئتها وتثقيفها وتفعيل دورها في المجتمع والوطن، وافساح المجالات لها للمشاركة في حياة الكنيسة ورسالتها. واعلن المجلس إلتزام الكنيسة بالتعاون مع الدولة بتأمين فرص العمل للشبيبة والحدّ من نزف هجرتها من اجل بقائها في الوطن وتحفيز الإبداع على أرضه وتأمين مستقبلها فيه.

7-                  بالعودة إلى ذكرى زيارة مريم لأليصابات، أمتدحت أليصابات إيمانها قائلةً: “طوبى لتلك التي آمنت بأن ما قيل لها من قِبَلِ الربِّ سيتم”. تجلّى إيمانُ مريم في تكريس ذاتها هبة لمن وهبها ذاته جنيناً، وسلَّمت ذاتها كلياً لله بحريةٍ تامّة، عقلاً وإرادةً وقلباً، بالايمان والرجاء والمحبة، وتكرَّستْ لشخص ابنها ورسالته. وهكذا أضحتْ مِثالاً للمكرَّسينَ والمكرّسات سواءَ في الحياة الرهبانية أم في العالم، ولكلِّ الملتزمين العمل الرسولي على أنواعه.

يا عائلة ميريام الأحبّاء، ليس صدفةً أن تكون قضت غداة عيد البشارة، وليس صدفةً أن نحييَ ذكراها اليوم في زيارة مريم لأليصابات. وليس صدفةً أن نحيّي المباركة بين النّساء: مريم المباركة بين النّساء. والجميع يعرف أنّ ميريام ملتزمة مسيحيّاً بالصّلاة والأسرار والأمانة باللّه. ونحن من دون نور صليب المسيح، لا نستطيع أن نفهمَ أيّ شيء، وأمّا في ضوء نور صليب يسوع وموته وقيامته نتطلّع إلى كلّ ما يريد الربّ أن يكشف عبر ميريام واستشهادها. نحن نصلّي لكي تنكشف إرادة اللّه فيها.

إننا نلتمسُ اليوم نعمة الايمان  الذي هو في جوهره خضوع العقل للحقيقة الموحاة بقبولها والسير في نورها. وهو خضوع الإرادة  لهذه الحقيقة بعيشها وتجسيدها بالأفعال والمبادرات. وهو تكريس الذات لإرادة الله وتصميمه الخلاصي. هذا ما عاشته مريم، واستحقّتْ من اجله الطوبى، واعتقد هذا ما عاشته مريام.

8-                  نحن بحاجة إلى هذا ايمان بكل مقوماته، لكي نعطي معنى لحضورنا في لبنان وبلدان الشرق الأوسط. الإيمان بأننا كمسيحيين لسنا مجرَّد مجموعة عددية كبيرة أو صغيرة، لكننا كنيسة المسيح الحاضرة في هذه المنطقة، المؤتمنة على إعلان إنجيل الخلاص بالمسيح، الوسيط الوحيد بين الله والناس، وعلى اعلان كرامة الشخص البشري وحقوقه الأساسية وحرياته العامة. نحتاج الى الإيمان بأنّ المسيح، بموته وقيامته، أصبح سيّد التاريخ، وبأنَّ علينا الالتزام برسالة الكنيسة بقوةِ الإيمان وصمود الرجاء، وصدى صوتُه يتردَّد في أعماقنا: “سيكون لكم في العالم ضيق، لكن ثقوا، انا غلبت العالم. وها انا معكم طول الأيام حتى انقضاء الدهر” (يو 14: 18-20؛ متى 28: 20).

نرفع صلاتنا الى امنا مريم العذراء، سيدة بكركي وسيدة لبنان، لتزور قلوبنا وعائلاتنا ومجتمعنا والمسؤولين عندنا، فنهتديَ جميعنا بأنوار الروح القدس، ونقرأ علامات الازمنة، ونكتشف ارادة الله علينا ودورنا في تحقيق تاريخ الخلاص، رافعين المجد والشكران للآب والابن والروح القدس، الآن والى الأبد، آمين.

Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير