للأب منتصر حداد

(ابرشية الموصل للسريان الكاثوليك – العراق) 

الموصل، الجمعة 2 ديسمبر 2011 (Zenit.org). – نلتمس من خلال تاملنا في إنجيل هذا الأحد، صفة من صفات الهنا، الأب الرحيم، الحنون، الذي هو حاضر معنا، وفي حضوره نعمة وبركة مؤسسة على الحب والحنان الذي يتعامل به إلهنا معنا.... وهذا ما نلمسه من خلال اسم يوحنا، الذي يرمز الى حنان الله ورحمته... ولنرى أيضاً بان الإنسان هو عاقر ولا معنى لحياته وأفعاله من دون فعل الله ونعمة الله.... سنلمس اليوم وسنعيش الإنسان الذي يتفجّر حياة وحبا من خلال فعل ربنا، الذي يبقى أمينا مع الإنسان ليساعده....

        ولادة يوحنا المعمدان، هي أكثر من ولادة بشرية طبيعية، هي أولا وقبل كل شيء تحقيق الوعد لزكريا، فمع صرخة الطفل يوحنا الأولى كُسِرَ صمت زكريا، بعد أن أدرك ان لله طرق لا يفهمها الإنسان إلا بالرجوع إلى الذات بالصمت والتأمل، وفهم بان الصمت يعطي للكلمات قيمة... ميلاد يوحنا هو دعوة ليحطم الإنسان كل الإعتبارات البشرية القديمة المؤسسة على تقاليد بالية عفا عليها الزمن، لان العالم الجديد بات وشيكاً، ولادة عالم أكثر إنسانية.....

        بعد ان كان زكريا وأليصابات موضوع احتقار من قبل مجتمعهم، لأنهما لم يكن لهما ولد، أصبحا اليوم موضوع فخر في كل أرجاء اليهودية.... والذي يؤمن بان العاقر أصبحت أماً، لن يجد صعوبة ليؤمن أيضاً ان العذراء يمكن ان تصير اماً... قد ينظر اليوم ألينا البعض نظرة احتقار وازدراء كما فعلوا بزكريا واليصابات، فلنعزّ أنفسنا بالنظر إلى فرحتهما، إلى النعمة التي نالاها من الرب...

        اعتاد الناس أن (يتذكروا) أفعال وأعمال الله وصنيعه العظيم مع الشعب أيام التحرر من العبودية وما تلاه من أحداث في صحراء سيناء وإنشاء المملكة في ارض الميعاد، وهذا هو معنى اسم زكريا (الله  ذكرى، يتذكر)..... ولكن في ولادة يوحنا، لا يصبح حضور الله ذكرى فقط، ولكن أصبح حضور الله من خلال يوحنا حضورا حقيقيا حياً، مملوء بالحب والطيبة.... ونشيد زكريا هو شاهد على حضور الله في حياتنا، فهو قد أعطانا كل ما هو ممكن لننجح في رسالتنا. ووعدنا بان يكون معنا، ولكن نحن الذين نرفض دائما فنهتم براحتنا ومجدنا، أما هو فيبقى أمينا معنا، ويعدنا بأنه سيخلصنا من جميع أعدائنا... فنكون معه بلا خوف وننمو في الحنان والرحمة وبالتالي في القداسة، كلها هذا أمتناناً له وشكراً....

        تسمية الطفل بأسم يوحنا، جعل الناس يتعجبون ويندهشون، وليس هذا فقط، بل العاقر تلد، بقوة الرب، هذا ما جعلهم يندهشون... علينا ان نجعل الناس تتعجب وتندهش تتسائل من خلال حضورنا وشهادتنا عن حضور الله.... قديسون وشخصيات جعلوا العالم يقف ويتساءل: ما عسى أن يكون هذا؟ زكريا والد يوحنا، هو يعلمنا الطريق لان نعيش دعوتنا، وهي ان نقبل كلمة الله من خلال صمتنا، وهذا صعب جداً على الإنسان... لأننا في حضورنا مع الله عادة نتكلم ونفكر ونتفوّه حتى بما هو ليس بصالح، واحياناً كثيرة بكلمات لا نفهمها...

        فلنشكر الله على ولادة يوحنا ونشكره على الحنان والطيبة ، نشكره لأنه يبقى معنا دائما وأبداً... ونطلب إليه أن يعطينا النعمة والقوة لنصغي إليه ونعرف مشيئته، فيكون حضورنا في العالم شاهدا حيا لكلمته ووعده، آمين....