بقلم روبير شعيب
الفاتيكان، الثلاثاء 31 يناير 2012 (ZENIT.org). – إن خبراء التواصل يعرفون أن يولوا أهمية كافية وانتباهًا وافيًا ليس فقط للمضمون، بل أيضًا للأشخاص الذين يتوجهون إليهم. فالجمهور ليس عنصرًا ثانويًا في عملية التواصل، بل هو يشكل مقياس عملية التواصل ومعيارها.
كان يسوع يعي جيدًا هذا الأمر، ولذا كان تواصله يمتاز بانتباهه الخاص لمستمعيه ومشاهديه. لم يكن تعليم يسوع أكاديميًا جافًا أو معقدًا، بل كان ينطلق من الواقع الملموس، ويستوحي مشاهد وعبر الحياة اليومية، تلك الحياة التي كانت أرضية مشتركة مع الإسرائيلي المعاصر له.
من خلال أمثاله كان يسوع "يبثّ" في مخيلة ونفوس مستمعيه صورًا وسيناريوهات تسمح لهم أن يقاربوا ويؤالفوا ملكوت الله وخبرة الحميمية مع الرب، بغض النظر عن الأعمار وعن المستوى الثقافي. كان يسوع يعي جيدًا أن المثل يختصر المسافة بين الكائن البشري والحقيقة [1].
كان يسوع يعي أن الإنسان إنما هو كائن سردي يصل إلى المفهوم من خلال الصورة والسرد. لهذا، كانت أمثال يسوع تأخذ طابع المسرحية الخيالية. ونفهم أن "مسرحيات" يسوع كانت تستقطب أذهان أتباعه لدرجة أنهم كانوا يتشتتون عن حاجاتهم الأولية (راجع مت 14، 15).
لغة الأمثال التي كان يسوع يستعملها كانت تشكل أرضية لخبرة استنباطية (maieutic)، أي تلك الخبرة التي اشتهر بها الفيلسوف سقراطن والمتمثلة، لا بتعليم الأمور بل بإخراجها من باطن التلميذ والمستمع. فبروح خفيفة، ساخرة أحيانًا، فكاهية أحيانًا أخرى، ومن خلال الأسئلة البلاغية، كان يسوع يجعل سامعيه شركاء فاعلين ومتفاعلين مع خطاباته وتعاليمه.
أسلوب يسوع هو خير معلم للمربين وللوعّاظ. فعبقريته التواصلية تعلمنا ألا نبذر بأوقات التعليم الدورية (مثل عظة الأحد)  بل أن نغتنمها فرصة مؤاتية لحث السامعين على السعي إلى الأعماق، على تواصل حي وملموس مع الرب. لا عجب أن الجمعية العامة لسينودس الأساقفة حول كلمة الله الذي عقد في السنوات الماضية قد كرس أهمية خاصة لهذا الفصل الأليم في الحياة الليتورجية، وقدم سلسلة من التوصيات في هذا المجال.
البابا بندكتس السادس عشر عينه لفت الإنتباه إلى هذا الموضوع في الإرشاد الرسولي ما بعد السينودس "سر المحبة" (Sacramentum Caritatis) فقال أن وظيفة العظة هي "أن تحث على فهم أكمل لكلمة الله وفعاليتها في حياة المؤمنين" (عدد 46). وفي الإرشاد الرسولي "كلمة الله" (Verbum Domini) الصادر بعد سينودس الكلمة عاد البابا إلى الموضوع عينه فكتب: "تشكل العظة إحقاقًا للرسالة الكتابية، حيث يتم دفع المؤمنين إلى اكتشاف حضور وفعالية كلمة الله في حاضرهم الحياتي" (العدد 59).
بالعودة إلى أسلوب يسوع الخطابي، نفهم من الأناجيل أن خطابه كان يرشح بالسلطان (ex-ousia)، دون أن يكون في ذلك سلطاويًا، ودون أن يقع في أشراك التعقيد العقائدي الممل. لقد اختار يسوع في المقابل لغة الأمثال الرمزية، وسنتوسع في فهم ميزات هذه اللغة في القسم التالي من المقالة.

---

[1] Cf. B. Ferrero, Tutte storie, Elle Di Ci, Torino 19977, 5.

(يتبع)