الفاتيكان، الاثنين 12  ديسمبر 2011 (ZENIT.org) – ننشر فيما يلي الكلمة التي ألقاها البابا بندكتس السادس عشر نهار الأحد، الثالث من زمن الجيء، قبيل صلاة التبشير الملائكيّ، برفقة المؤمنين والحُجّاج المُجتمعين في ساحة القدّيس بطرس.

***
 
 
إخوتي وأخواتي الأعزّاء!

تدعونا النصوص الليتورجيّة الخاصّة بزمن المجيء إلى العَيش مُجدَّدًا بانتظار يسوع، وإلى عدم التوقّف عن ترَقُّب مجيئه، مُتَّخِذين موقِف انفتاح وجهوزيّة للقاء به.

إنّ ترقُّب القلب الذي يُدعى المسيحيّ إلى ممارسته دومًا، في الحياة اليوميّة، يُميِّز بخاصَّةٍ هذا الزمن حيث نستعدّ بفرح لسرّ الميلاد (راجع مقدّمة زمن المجيء 2). يقدّم الجوّ الخارجيّ رسائل متعدّدة ذات طابع تجاريّ، حتّى لو أنّ ذلك يتَّسِم بنمطٍ أضعَف بسبب الأزمة الإقصاديّة. المسيحيّ مدعوٌّ إلى عَيش زمن المجيء دون أن تُشتِت الأضواء ذهنه، بل عارِفًا كيف يعطي القيمة الحقّة للأشياء، لكي يركّز نظره الداخليّ على المسيح. إذا ثابَرنا "يقِظين بالصلاة ومُبتهجين بالتمجيد" (المرجع نفسه)، تُصبح عيوننا قادرة على التعرف بأن المسيح هو النور الحقيقيّ للعالَم، الآتي ليُنير ظلُماتِنا.

بشكلٍ خاصّ، إنّ ليتورجيّة هذا الأحد الذي يُدعى "Gaudéte" [حرفيًا: افرحوا]، تدعونا إلى الفرح، إلى الترَقُّب بدون حزن، بل بسُرور. كتب القدّيس بولس: "افرَحوا دائمًا بالربّ" (فيل 4، 4). الفرح الحقيقي ليس ثمرة الترفيه، بحسب أصل الكلمة في اللغة اللاتينيّة "di-vertire"، والذي يشير إلى تحاشي التزامات الحياة ومسؤوليّاتها. يرتبط الفرح الحقيقيّ بأمرٍ أعمَق. طبعاً، في خضمّ الإيقاعات اليوميّة التي غالبًا ما تكون محمومة، مِن الضروريّ إيجاد فسحاتٍ من الوقت للراحة والاسترخاء، ولكنّ السعادة الحقيقيّة هي مُرتبطة بالعلاقة بالله. مَن التَقى بالمسيح في حياته الشخصيّة، يختبر في قلبه سكينةً وسلامًا لا يستطيع أيُّ أحدٍ ولا أيُّ ظرفٍ أن يقتلِعَه.

هذا الأمر قد فهمه القدّيس أغوسطينس جيّدًا جدًّا؛ في بحثه عن الحقيقة والسلام والفرح، بعدما فتّش عبثًا في أشياء عديدة، خَلُصَ إلى الاستنتاج بالعبارة الشهيرة، بأنّ قلب الإنسان قَلِقٌ، لا يجد السكينة والسلام، ما لَم يَرتَح في الله (راجع الاعترافات 1، 1، 1). ليس الفرح الحقيقيّ حالة مزاجيّة بسيطة وعابِرَة، بل هو عَطِيَّة تولَد من لقائِنا بشخص المسيح الحيّ، مِن إيجادِنا فُسحةً داخليَّةً فينا له، مِن اقتِبالنا الروحَ القدس الذي يقود حياتَنا. هذه هي الدعوة الّتي يوجِّهُها الرسول بولس بقَولِه: "إله السلام نفسه يقدّسكم في كلّ شيء ويحفظكم مُنَزَّهين عن اللوم، سالِمين روحًا ونَفسًا وجسدًا، عند مجيء ربّنا يسوع المسيح" (1تس 5، 23). في زمن المجيء هذا، لِنُقَوِّ يَقينَنا بأنّ الربّ جاء فيما بَيننا وهو يجدِّد دومًا حضوره، حضورَ التعزية والحبّ والفرح. فَلتكُن لنا ثقةٌ به؛ كما يؤكّد القدّيس أغوسطينس على ضوء خبرته: "الربّ أقرَبُ إلَينا مِمّا نحن قريبون إلى أنفُسِنا" (الاعترافات 3 ،6 ،11).

لِنُوكِل بدَرْبِنا إلى العذراء البريئة من الدنس، التي تهلَّلَ روحُها بالله المخلِّص. فَلتَكُن هي مَن يقود قلوبَنا في الانتِظار السعيد لمجيء يسوع، انتظارًا غَنِيًّا بالصلاة والأعمال الصالحة.

* * *

تعريب وكالة زينيت العالمية

جميع الحقوق محفوظة لدار النشر الفاتيكانية