الفاتيكان، الإثنين 19 ديسمبر 2011 (ZENIT.org). – ننشر في ما يلي الكلمة التي تلاها قداسة البابا بندكتس السادس عشر قبيل تلاوة صلاة التبشير الملائكيّ في ساحة القدّيس بطرس في الفاتيكان نهار الأحد.
* * *
إخوتي وأخواتي الأعزّاء!
في هذا الأحد الرابع والأخير من زمن المجيء تقدّم لنا ليتورجيّة هذا العام قصّة بشارة الملاك لمريم. بتأمُّلنا أيقونة العذراء القدّيسة وهي تقبل الرسالة الإلهيّة وتعطي جوابها، نستنير داخليًّا بنور الحقيقة التي تنبعث متجدِّدةً دومًا مِن هذا السرّ. بشكل خاصّ، أودّ التوقُّف قليلاً على أهمّيّة بتوليّة مريم، أي على واقع أنّها حبلت بيسوع وبقيت في الوقت نفسه عذراء.
يَتَردَّد صدى نبوءة أشعيا على خلفيّة حدث الناصرة: “ها هي العذراء تحبل وتلد ابنًا وتدعو اسمه عمّانوئيل” (أش 7، 14). لقد تُمِّمَ هذا الوعد بالكامِل في تجسُّد ابن الله. في الواقع، لم تحبل العذراء مريم فقط، بل حصل ذلك بفِعل الروح القدس، أي بفِعل الله نفسه. إنّ الإنسان الذي بدأ يحيا في حشاها يأخذ الجسد مِن مريم ولكنَّ وجودَه مُستَمَدٌّ مِن الله. هو إنسان كامِل، مَصنوع من تراب – لاستعمال الرمز الكتابيّ – ولكن يأتي مِن العَلاء، مِن السماء. إنَّ حَمْل مريم وبقاءها عذراء في الوقت عينه هو إذًا حقيقة أساسيّة لمعرفة يسوع ولإيماننا، لأنّها تشهد على أنّ المبادرة قد أخذها الله، وتكشف قبل كلّ شيء “مَن” هو المَحمول بِه. كما يقول الإنجيل: “لذلك فالقدّوس الذي يولَد منكِ يُدعى ابن الله” (لو 1، 35). مِن هذا المنطلَق فإنَّ “بتولية” مريم و”ألوهيّة” يسوع يضمَنان بعضَهُما بَعضًا. لذلك فإنَّ السؤال الذي وجّهَته مريم، الـ”مضطَرِبَة جدًّا”، إلى الملاك مهِمٌّ جدًّا: “كيف يكون هذا وأنا لا أعرف رجُلاً؟” (لو 1، 34). مع بساطَتِها، مريم شديدة الحكمة: لا تشُكُّ في قدرة الله، بل تريد أن تفهَم أكثر ما هي مشيئته، لتمتَثِل بالكامِل لَها. يتجاوَز هذا السرُّ مريمَ بما لا نهاية، إلاّ أنَّها تَشغَلُ تمامًا المَكان الذي تمَّ تكليفُها في وسطه. قَلبُها وعقلُها متواضِعان بالكامِل، وبفضل تواضُعِها الإستثنائيّ ينتظِر الله الـ”نَعَم” مِن هذه الفتاة لتحقيق قَصدِه. يحترم الله حُرِّيَّتَها وكَرامَتَها. يعني “نَعَم” مريم أُمومَتَها وعُذرِيَّتَها في الوقت عينه، ويرغَب بأن يتمجَّد الله فيها، وبأن يكونَ الابنُ الذي سيولَد مِنها هِبةً مِن النعمة.
أيّها الأصدقاء الأعزّاء، إنّ بتولية مريم فريدة مِن نوعِها ولا يمكن أن تتكَرَّر؛ لكنَّ معناها الروحيّ يخصّ كلّ مسيحيّ. معناها مُرتبطٌ جوهريًّا بالإيمان: في الواقع، مَن يَثِق بعُمقٍ بِحُبِّ الله، يَقبَل في نَفسه يسوع وحياتَه الإلهيَّة مِن خلال عمل الروح القدس.
هذا هو سرُّ الميلاد! أتمنّى أن تعيشوه جميعًا بفرَحٍ عميق.
* * *
تعريب وكالة زينيت العالميّة
جميع الحقوق محفوظة لدار النشر الفاتيكانيّة