باريس، الاثنين 12 ديسمبر 2011 (ZENIT.org). - في السنة التاسعة على تأسيسها، دعت جمعية "الدراسات السريانية" في باريس الى لقاء حول طاولة مستديرة في قاعة "المعهد اللاهوتي البروتستنتي" لأعضائها الفرنسيين والأجانب، الباحثين في التراث السرياني، ولجميع المهتمين في الثقافات السريانية في الشرق والغرب. وقد ركّزت الدراسات لهذه السنة على إنتاج "سِيَر القديسين" وتفاعله مع تخصصات أخرى كالـتاريخ، الليتورجيا وغيرها. تمّ تنظيم جدول هذه الجولة التاسعة بدعم من Labex Resmed (الأديان والمجتمعات في عالم البحر المتوسط) ومعهد الأبحاث والتاريخ للنصوص CNRS))، بالإضافة الى مركز الدراسات السامية القديمة.
استُهل هذا اليوم الدراسي بكلمة ترحيب من قِبَل إدارة المعهد المُضيف، تَبِعَتها المحاضرة الأولى مع الباحثة Christelle Jullien بعنوان “Mondes iranien et indien, les Actes de martyrs persans” ، عرضت فيها المصادر الأساسية والمراجع مع الترجمات لسيَر القديسين السريان في العالم الفارسي، بالإضافة الى التاريخ الرهباني في المرحلة التي سبقت ظهور الإسلام، مع كل ما رافق ذلك من مشاكل كريستولوجية ناتجة عن تلك الحقبة ما بين الطوائف المسيحية المختلفة، بالإضافة الى سرد لواقع المجتمع الفارسي ومدى تأثيره على الكنائس المسيحية ومعتقداتها.
من ناحية أخرى، عرض البروفسور جاك طنوس، من جامعة "جورج واشنطن" في محاضرته بعنوان “L’hagiographie syro-occidentale à la période islamique”،قوائم الينابيع والمصادر السريانية والروزنامات الليتورجية في نقاط تقاربها واختلافها، في ما يخص سيَر القديسين السريان وتطابقها مع التاريخ الليتورجي التي تحتفل فيه الكنائس السريانية وتباينها في ما بينها، مع ذكر لمختلف العوامل التاريخية منها والجغرافية وغيرها، التي لا تسهم في كسب المعلومات الكافية عن قديسي الكنائس السريانية.
أما البروفسور David Taylor، أستاذ الدراسات الآرامية والسريانية في جامعة أوكسفورد، تطرق في حديثه عن “Hagiographie et liturgie” عن أهمية تقاليد نصوص سيَر القديسين ومكانتها في الليتورجيا السريانية عامة. وقد لمّح الى المكانة العالية لبعض القديسين لدى الكنائس السريانية والإكثار في إكرامهم، والبعض الآخر يمر ذكرهم دون إحتفال يذكر. وقد انفرد في الكلام على الكنيسة السريانية الشرقية وكنيسة الملكيين والكنيسة السريانية الأورتودكسية، كأمثلة في ذكر وتكريم القديسين فيها، ومدى تفاوت نصوص سيَر القديسين اللاهوتية مرارا مع اللاهوت العام للكنيسة نفسها.
أما البروفسور Sebastian Brock، كبير الباحثين في العالم السرياني، فقد تكلم في موضوعه “L’hagiographie versifiée” عن الآيات، الإستشهادات والنصوص في الميامر السريانية والمدراش. أما الميمر فقد فصله الى اربعة أنواع: الخطبة، السرد، المديح والحمد، مع ذكر أمثلة وآيات من مختلف نصوص آبائية وليتورجية. أما في ما يخص المدراش، فقد عدّد ثلاث فئات: النشيد، السواغيث السردية والسواغيث الحوارية، مع ما يدور في فلكها من ذكر لقديسي الكتاب المقدس وشهداء العصور الأولى، دون أن ننسى آباء وقديسي الكنيسة السريانية، وقد برهن على ذلك بأمثلة عديدة من نصوص ليتورجية وآبائية.
أما فترة بعد الظهر فتكللت بأربع محاضرات لا تقل أهمية عن سابقاتها، بدأت مع الباحثة Muriel Debié من المعهد الفرنسي للأبحاث العلمية، والتي تناولت في موضوعها “Hagiographie et histoire”، دراسة اصول كلمة “Hagiographie” الغير موجودة في منجد اللغة السريانية، فيقتصر على استعمال كلمة "شَرْبُا" أي "قصة"، بالإضافة الى مساهمة سِيَر القديسين واخبارهم في وصف أحداث تاريخية، اجتماعية وكنسية في الأزمنة والعصور التي وُجدوا فيها، إذ أسهمت مساهمة مهمة في كشف حقائق تاريخية غامضة. من جهة أخرى، أوضحت نقاط الفرق والتقارب ما بين علمَي سير القديسين والتاريخ ومدى أهميتهما في إظهار الكنوز الدفينة لشهادات قديسين وأحداث تاريخية.
أما المحاضرة السادسة عرضتها الباحثة في العالم الأرمني Valentina Calzolari من جامعة جنيف، تحت عنوان
“Influences entre hagiographies syriaque et arménienne : Maroutha de Mayferqat dans la tradition arménienne”.
أوضحت فيها مدى تأثير التقليد السرياني على العالم الأرمني، بدءًا من إستعمال الأحرف الأبجدية السريانية، وقراءة الكتاب المقدس باللغتين السريانية واليونانية، مدعّمة كلامها بأمثال عديدة خاصة في كلامها عن“Maroutha de Mayferqat” ،مجد الأمة الأرمنية.
أما Ugo Zanetti من جماعة“Chevetogne” فقد أطلع المشاركين على المرحلة المتقدمة من مشروع "مكتبة سيَر القديسين السريان" وادراجها على الكومبيوتر، والمنهجية المُتّبعة في البحث عن المصادر والمخطوطات التي تسهم في تسهيل الدراسات والأبحاث العلمية رغم صعوبة إيجادها وتنظيمها.
أما مِسْك الختام فكان مع البرفسور André Binggeli الباحث في العالم اليوناني والسلافي، والذي تَطرَّق في مداخلته المعنونة “Les collections de vies de saints dans les manuscrits” الى نقاط الإختلاف والتقارب بين مجموعات سيَر القديسين الموجودة في المخطوطات، منها من يتبع الروزنامة الليتورجية ومنها لا يدخل فيها البتة. الملاحظ في هذه المجموعات تنظيم السيَر وتقسيمها الى فئات: الرهبان، الرسل، الأساقفة، آباء الكنسية، الشهداء والمعترفين، القديسات. وقد لمّح الى مواصفات أخرى في إستعمال السيَر، على سبيل المثال، إختيار أمكنة قراءتها العامة كالكنيسة، والخاصة كقلايات الرهبان، بهدف تثقيف المؤمن والمكرس معاً.
وقد اختُتم هذا اليوم الدراسي بكلمة شكر ألقتها نا ئبة رئيس الجمعية Françoise Briquel-Chatonnet شكرت فيها أولا المحاضرين الذين أغنوا المشاركين بأبحاثهم الشيَقة، وثانياً الحضور المشارك من مختلف بلدان القارات الخمس، كما أنها دعت الى اللقاء الجديد في العام المقبل والمميز بالإحتفال بالسنة العاشرة على تأسيس الجمعية.