حلب، الأربعاء 2 مايو 2012 (ZENIT.org). – ننشر في ما يلي الكلمة التي تلاها كلمة المطران يوسف أنيس أبي عاد – راعي أبرشية حلب المارونية في لقاء الصلاة على نية السلام في سورية الأسبوع الماضي.
* * *
صاحب الغبطة البطريرك غريغوريوس الثالث لحّام الموقر
صاحب الغبطة الموقّر البطريرك اغناطيوس يوسف يونان
سيادة السفير البابوي المطران ماريو زيناري
أصحاب النيافة المطارنة السامي احترامهم
أيها الكهنة والرهبان والراهبات الأفاضل
ويا أيها الاخوة والاخوات الاحباء
نُرحب بكم جميعاً، آباءً أجلاء وأخوة أعزاء في هذا لقاء الصلاة من اجل السلام في سورية العزيزة وعنوانه “قيامة الرب رجاؤنا“.
ويسّرنا، ونحن في أجواء عيد الفصح، عيد موت السيد المسيح وقيامته، أن نستحضر كلاماً قاله السيّد في وداعه لرسله ومن ثم لنا جميعاً “سلاماً أترك لكم، سلامي أعطيكم لا كما يُعطي العالم أعطيكم أنا” (يوحنا14/27).
عطية السلام هذه جاءت مميّزة باعتماد فصح جديد شاءه الرب بنفسه أولاً ثم قدّمه من أجل الناس أجمعين. إنما لماذا؟ شرح ذلك يوحنا لانجيلي بقوله: “كان يسوع يعلم بأن قد أتت ساعة انتقاله عن هذا العالم إلى أبيه، وكان قد أحب خاصته الذين في العالم فبلغ الحب لهم أقصى حدوده” (يوحنا13/1)، بهذا الحب ذهَبَ يُسلم ذاته إلى الموت طوعاً… طوعاً لأنه قال: “حياتي لا أحد يأخذها مني بل أنا أُعطيها من تلقاء ذاتي”… ومشى طريقه نحو ما ينتظره من الم وموت…
وفي أَوجِ المحنة التي عاشها صرخ إلى الآب قائلاً: “يا ابتِ مجّد اسمَك” وسمع منه هذا الجواب: “قد مَجدَّتُ وأُمجِّد” (يوحنا12/28) فعرف أنه في هذه الطريقة وحدها يتمم مشيئة الآب القدوسة.
ونحن أيها الاخوة ألسنا نمرّ الآن أيضاً في محنة قاسية؟… محنةٌ على مستوى الضمير أولاً ثم من جرّاء تساقُط الكثيرين من الاخوة والأحباء وما ترّتب عنها من خراب ودمار جعل العديد من أطياف شعبنا في حالة عوز وافتقار، وعرقل سير النظام العام، وهزّ الاقتصاد. واجتاحتْ الآلام عائلاتنا لفقدانهم أعزاءً لهم راحوا ضحايا العنف والقتل والتشريد.
ولكننا نحن مدعون إلى صنع السلام أيها الآباء والاخوة: الدعوة من أجل السلام أرادها المسيح أن تترّدد باستمرار في نفوسنا وتبقى متوّقدة، وجعل لنا منها رسالة مُحبّبة حينما قال”طوبى لفاعلي السلام، فإنهم أبناء الله يُدعون”(متى5/9) والطوبى هي أكثر من نداء أو طلب: إنها دعوة إلى مشاركة المسيح بالنعيم الذي يحيا فيه، نعيم ينسكب منه على النفوس المؤمنة مهما كانت تُعاني، سيما وإن كانت تعاني حُباً بالله وبالإنسان، إذ لا شيء مثل إحلال السلام ما يُريح خاطر الانسان.
نحن مُطوبّون من الرب الإله عندما نرفع صلاتنا إليه كل يوم مع ما يرافقها من توبة وتنقية قلب. فالسلام يبدأ من كل شخص في ذاته، إذ لا بُدَّ له أن يتواضع ويَفهم بأنه ليس هو سيَّدُ الحياة والكون، بل إن الله تعالى هو السيد الأوحد.
في زمن الاضطراب هذا لنا كلمة من بطرس الرسول: “لاتستغربوا أيها الاحباء الحريقَ الذي أصابكم لامتحانكم كأنه أمرٌ غريب حلَّ بكم. بل افرحوا بأنكم تشاركون المسيح بآلامه، حتى إذ تجلّى مجده كنتم بفرح وابتهاج”(1بطرس4/12-14)
صُنع السلام إذن يكون عندما يعتبر كل واحد بأن الشخص الآخر هو أيضاً “إنسان” وهو أثمن ما في الوجود… فكيف يُمكن إلغاؤه أو إذلاله أو احتقاره؟
نصنع السلام عندما نفهم بأن إنساننا هذا خطّاء أي أنه يُخطئ ويخطأ… وأنه ليس من كامل إلا الله وحده… فلا يلجأ أحدٌ إلى الثأر والانتقام بل إلى المسامحة والغفران… وكلمة المسيح تتردد في أذاننا “من منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر” (يوحنا8/7).
السلام نصنعه عندما نسير على مبدأ العدالة، بأن ينعم كل ذي حقٍ بحقه، ويبتعد عن الاستغلال والاحتكار واغتصاب حقوق الاخرين… فلا سلام من دون عدل.
ونصنع السلام أخيراً عندما نتفهم، من خلال معايشة شعبنا وبالدرس والتمحيص، أوضاع البلد وحاجات الناس الأساسية وتطلعاتهم، وننظر إلى تطورات العالم المعاصر، وما يأتينا من مستجدات على مستوى الابتكارات والاكتشافات والعلوم الاجتماعية منها والإنسانية والسياسية، غير مُتنكرين البتة لهويتنا الاصيلة الممهورة بثقافة عريقة والمروحنة بإيمان حي، وما ذلك إلا ليكون إنساننا منفتحاً قادراً على السير في رُكب الحضارة الحقة، ومعتزاً بالتزام قضايا الشعوب المُحقة ومدافعاً عنها برويةٍ وسخاء.
أيها الأخوة الأحباء
فيما نحن نتحدث عن صُنع السلام، لاننسى ما تحقق من انجازات ايجابية ومبادرات قامت بها الدولة ورئيسها، وَمِنْ تقدمٍ في مجالات شتى… ونستهلم أيضاً ما نضح وينضج في عقول مواطنينا ومُهجهم، قبل هذه الظروف وفيها، وما قدموا من تضحيات وافكار واقتراحات، ونأمل ان تعمَّ المشاركة الفعلية سائر الفئات الوطنية وشرائحَ الشباب بنوع خاص.
ولا يغيب عن بالنا في هذا الوقت المُعطى لنا من الله ان نذكر كلَّ من سقط شهيداً أو ضحية في هذه الايام العصيبة، مستمطرين على ارواحهم رحماتُ الله، وعلى أهلهم وعلينا كلنا العزاء والسلوان.
وبالنهاية نقول: أهلاً وسهلاً بكم جميعاً آباءً وأخوة مؤمنين وأحباء. كان إله السلام، القائم من الموت ، عوناً لكم ولنا جميعاً، في حمل رسالة السلام الآن وعلى مدى الأيام المقبلة لكي يتمجد اسمه العلي، ويسمو انساننا واعياً نشيطاً عاملاً لخير هذا البلد وأبناء شعبه، ولله ا
لمجد والإكرام إلى الأبد أمين.