الجمعة 4 مايو 2012 (ZENIT.org). – “طعامي هو أن أعمل بمشيئة من أرسلني واتمم عمله” إذا رجعنا إلى إنجيل مرقس بما يخص القيامة، سنرى الملاك يقول للنساء الذين ذهبن ليحنطن جسد يسوع قائلا لهن: اذهبن وقلن لتلاميذه ولبطرس، إنه يتقدمكم إلى الجليل، وهناك ترونه كما قال لكم…. إحدى علامات معرفة يسوع، هي إنه كان يعمل دائما، دائما الجليل هي مكان الانطلاق نحو العمل، ولهذا يؤمن التلاميذ بيسوع القائم، لان هذا هو يسوع الحقيقي، العامل دائما…
يسوع لا يقوم بفعل عظيم وعجيب لنبقى منبهرين به فقط، بل علينا أن نعمل كشهود لعيش هذه الحقيقة وجعل الناس يؤمنون بها ويعيشونها بكل معنى الكلمة، وهذا هو زمن القيامة، هو زمن الانطلاق من جديد للكلام عن يسوع… إذا العمل، هذا ما يريده يسوع “طعامي هو أن اعمل بمشيئة الذي أرسلني، ليس السكون والوقوف، بل العمل، أي الحركة، أي بما معنى أن الحياة تدب فينا وفي كل كياننا…
قضية الطعام مسألة مهمة في حياة كل إنسان، وهنالك من يعرّف الطعام بأنه مادة تملأ حيزا في الفراغ، ولكن، هل هذا التعريف هو صحيح؟ كل فعل في حياتنا هو فعل مهم ويجب أن يزيد على إنسانيتنا شيئاً معيناً أو حقيقة معينة… الطعام في الحقيقة، مادة تجعلني أحيا لأكون إنسانا حقيقياً، الذي لا يأكل لن يستطيع العيش إلا لأيام محدودة، ولهذا المقبل على الطعام، هو الإنسان الذي يصر على العيش وينتزع الحياة ليكون حياً بالحقيقة… إذا نأكل لنعيش، وليس نعيش لنأكل، ولكن ماذا نأكل؟…
كل إنسان هو ما يأكله، هذا لا يعني إنك ستتحول إلى نوعية معينة من الطعام بمجرد أكلك لها… القضية أبعد من هذا بكثير، في هذا الإنجيل نحن لا نتكلم عن الطعام الذي نأكله فقط، بل كل ما يدخل الإنسان هو طعام، صوت، مشهد أو منظر معين، كل ما موجود في الحياة هو طعام نأكله إما بأفواهنا أو بأعيننا أو بآذاننا، ولهذا علينا أن نكون حذرين لما نأكل، فلا يوجد بيننا من يتجرأ ويأكل طعاما مسموماً، ولكن الكثيرين منا يتجرؤون ويستقبلون بأعينهم أو بآذانهم طعاما مسموماً من نوع آخر….
لهذا علينا أن نكون حذرين: ماذا نسمع وماذا ننظر؟ وليس هذا فقط، بل أيضاً: ماذا نُسمِع وما الذي نجعل الناس ينظرون إليه… المسؤولية ملقاة علينا في ما نقدمه للناس من طعام… ويسوع اليوم يدعونا إلى أن نأكل طعام من نوع آخر، طعام هو بحد ذاته عمل، عمل بمشيئة معينة، العمل بمشيئة من أرسلك، ولهذا على كل واحد منا أن يسأل نفسه قائلاً: من أرسلني، ما هو الأساس الذي انطلق منه في عملي وكلامي وسماعي ونظري؟ يسوع هو الأبن المرسل من الآب، اما أنت، فمن أنت، هل أبن مرسل من الآب، أم عبد ذليل متأسس ومرسل من الخطيئة والشر؟… وليس العمل فقط، لكن أيضاً الإصرار على إتمام العمل، البقاء أمناء حتى النهاية لذلك المعنى الذي يكتنف كل حياتنا…
نحن في الحقيقة نأكل نوعين من الطعام، الطعام اليومي، الخبز اليومي، الذي يعطينا القوة لنحيا ونعيش لنبني علاقات مع الناس ومع ذاتنا ومع الله، يرمز هذا الطعام إلى استمرارية الحياة البشرية… والطعام الثاني، هو مشيئة الرب، هذا الطعام يعطي المعنى، فلا وجود لمعنى لحياتنا اليومية إن لم تكن مكللة بنعمة الرب، مكلله بتوجيه أنظارنا إلى الله الآب… أن اعمل بمشيئة أبي، إذا علينا أن نعتبر الله أبونا، أي أن نعتبر أنفسنا مولودين منه، لدينا علاقة حقيقية معه، حتى نستطيع أن نعمل بمشيئته…
وأفضل طعام نأكله هو القربان، الذي يمثل جسد يسوع، بكلمة أخرى، يمثل العمل بمشيئة الآب، فيسوع كان في كل حياته فعل حقيقي لكلمة الله، عيش حقيقي لمشيئة الله، لا بل كان هو بحد ذاته كلمة الله الحقيقية… نحن اليوم مدعوين لأن نكون مثل يسوع، أن نجعل حياتنا ليس تطبيقاً لكلمة الله، بل عيشا لها… الكثيرين يقولون في أحاديثهم: نحن نطبق الكتاب المقدس، نحن نطبق كلمة الله، ولكن في الحقيقة، نحن لا نطبق الكلمة، نحن نعيش الكلمة، وهنالك فرق كبير، الذي يطبقها فهو يؤدي عملا من دون روح، ميت مسيّر من قبل آخرين، حياة لا معنى لها، في التطبيق لا توجد قناعة، اما الذي يعيش الكلمة، فهو مقتنع بما يعمله، فالروح يعمل فيه فيكون إنساناً حيا…
هل تستطيع ان تجعل من حياتك قرباناً، عملا لمشيئة الرب، ما أجمل أن نكون كلنا الآن بأعمالنا وأفكارنا وأقوالنا قرابين تزين مذبح يسوع… هل نستطيع ان نجعل من حياتنا خبزا مكسوراً للناس، هل تستطيع أن تكون إنساناً مأكولاً مثلما هو معلمنا يسوع… هذه هي التقدمة المرضية التي يريدها الرب منا، هذه هي الحياة الحقيقية التي يريدها الرب منا، ان نكون دائماً قرابين مقدمة من أجل الآخرين، فيكون الله من خلالنا مصدر حياة للناس أجمعين…