لم تخل كلمة البابا من الإشارة إلى العلمنة المسيطرة على مجتمعات اليوم لاسيما في الدول ذات التقليد المسيحي العريق ما يساهم في تفتت النسيج الاجتماعي الذي كان في الماضي عنصرا يجمع بين أنباء المتجمع الواحد. وبهذا الشكل تواجه الأرض الخصبة بالإيمان خطر أن تصبح أرضا قاحلة وأن تُخنق البذور الطيبة أو أن تُداس وتضيع. وأكد بندكتس السادس عشر أن العديد من الأشخاص المعمدين فقدوا اليوم هويتهم وانتماءهم، ويستثنون الله من آفاق حياتهم وهذا هو من مسببات الأزمة الروحية والخلقية التي تعيشها أوروبا اليوم.
ولفت البابا إلى أن آباء المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني أشاروا إلى الطريق الواجب اتباعها، مسطرين أهمية الانطلاق مجددا من الله، وأضاف أنه في زمن بات فيه الله بالنسبة لكثيرين كيانا مجهولا وأصبح يسوع شخصية من الماضي لن يشهد النشاط الإرسالي انطلاقة جديدة بدون تجدد الإيمان والصلاة.
مضى الحبر الأعظم قائلا: لن نتمكن من تقديم أجوبة ملائمة بدون قبول هبة النعمة، ولن نتمكن من توجيه الأشخاص نحو الإنجيل إن لم نختبر الله من جديد. وذكّر البابا الأساقفة الإيطاليين بالمسؤولية الملقاة على عاتقهم ألا وهي إعلان الله على البشر وحملهم على السير باتجاهه، وأكد أن الحديث عن الله يتطلب أولا الحديث مع الله لأنه من خلال العلاقة معه تولد الشركة التي تجمعنا وتولّد بدورها الشركة الكنسية التي تعانق مختلف الأزمنة والأمكنة لبناء شعب الله الواحد.
لهذا السبب بالذات ـ قال البابا ـ أردتُ إعلان سنة الإيمان التي ستبدأ في الحادي عشر من أكتوبر تشرين الأول المقبل بهدف إعادة اكتشاف هبة الإيمان الثمينة وقبولها، ولنتعرف بالعمق على الحقائق التي تشكل جوهر حياتنا ولنقود خطوات إنسان اليوم صوب لقاء متجدد مع يسوع المسيح “الطريق والحق والحياة”.
وختم بندكتس السادس عشر خطابه للأساقفة الإيطاليين حاثا إياهم على عدم توفير أي جهد كي تتمكن الجماعة المسيحية من تنشئة أشخاص ناضجين في الإيمان لأنهم التقوا بيسوع المسيح وأصبح نقطة مرجعية أساسية في حياتهم؛ أشخاص يعرفون المسيح لأنهم يحبونه ويحبونه لأنهم عرفوه، ومن الأهمية بمكان خلال مسيرة التنشئة هذه الاستناد إلى كتاب “التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية” الذي وبعد عشرين سنة على صدوره ما يزال أداة ملائمة تعرف الشخص على الإيمان وتقوده نحو اللقاء بيسوع المسيح.