زيارة البابا للبنان: وجهة نظر أرثوذكسية وسورية (1)

مقابلة مع المطران غريغوريوس يوحنا ابراهيم -متروبوليت حلب

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

حاوره روبير شعيب

حلب، الأربعاء 26 سبتمبر 2012 (ZENIT.org). – زيارة البابا بندكتس السادس عشر إلى لبنان كانت حدثًا كنسيًا، وطنيًا (لبنانيًا)، إقليميًا ومسكونيًا، كما وكانت حدثًا يهم الأديان الأخرى وبشكل خاص الدين الإسلامي. لاقت زيارة البابا ترحيبًا خاصًا لأن مداخلاته لم تكن سطحية ولم يكتف قداسته بالإشارات المبهمة بل تحدث عن مواضيع حساسة منها تهريب الأسلحة وتوزيعها على المتقاتلين في سوريا، مسألة الهجرة، الربيع العربي وتقييمه.

في هذه المقابلة مع زينيت، يتوقف سيادة المطران غريغوريوس يوحنا ابراهيم، متروبوليت حلب لطائفة السريان الأرثوذكس على أهم لحظات هذه الزيارة ويعلق على بعض مداخلات، آراء واقتراحات بندكتس السادس عشر.

* * *

ما هو تقييمك الأوّلي لزيارة البابا بندكتس السّادس عشر إلى لبنان ومداخلاته ؟ ما هي المداخلات التي تُعتبر أنّه يجب أن نكرّس له انتباهاً خاصّاً؟

المطران غريغوريوس يوحنا ابراهيم: لقد تركت زيارة البابا بندكتس السّادس عشر إلى لبنان انطباعاً تميّز بالترحيب الحار مِن قِبَل المسلمين والمسيحيّين على السواء، وهذا يُشير إلى أنّهم قَبِلُوه رسولاً للسّلام، وهو الذي قال في حديثٍ له في المطار : جئتُ صديقاً لكلِّ مَن يريد السّلام ويُحبُّه. فالبابا لم يُميِّز بين مسلمٍ ومسيحي، ولا بين بلدٍ وبلدٍ آخر، لأنّه كان يتحدّث مع الإنسان في كلّ الشرق الأوسط.

وفي كلّ مداخلاته كان واضحاً، لأنّه حمل رسالة صديق لله ولكلّ من يسكن في الشرق الأوسط. ولكنَّ مداخلته لدى التوقيع وتسليم الإرشاد الرسولي في حريصا، كانت ذات معنى كبير، فبعد الإشارة إلى عيد الصّليب الواقع في 14/أيلول/2012، وهو يوم التوقيع على الإرشاد الرسولي، جرت مقاربة بين أحداث رافقت اكتشاف الصليب على يد هيلانة والدة الملك قسطنطين منها : الرؤية التي شاهد فيها قسطنطين الملك الصّليب، وصوت يقول له : بهذه العلامة ستنتصر، وتوبة الإمبراطور، ثمّ التوقيع على مرسوم ميلانو /313 م/، وبين حفلة توقيع الإرشاد الرسولي من قِبَل البابا، الذي يمكن أن يكون مضمونه علامة انتصارٍ للرجاء والأمل في حياة المسيحيّين في الشرق الأوسط.

وكان جميلاً عندما امتدح قداسته شجاعة مسيحيي الشرق الأوسط، خاصّةً من حيث شعلة محبة الله اللانهائيّة، والتي يستمرون في الحفاظ عليها حيّةً ومشتعلةً في هذه الأماكن التي كانت في استقبال ابنه المتجسّد. وذكَّر البابا المسيحيّين في الشرق الاوسط فيما جاء في الإنجيل المقدّس :  لا تخف أيُّها القطيع الصغير (لو 12: 32)، وقال قداسته موجِّهاً كلامه إلى كنائس الشرق              الأوسط : لا تخفْنَ لأنّ الرّبّ حقّاً معكُنَّ حتّى انتهاء العالم، لا تخفْنَ لأنّ الكنيسة الجامعة ترافقكنَّ بقربها إنسانيّاً وروحيّاً.

أما المداخلة الثانية الهامّة فكان حديثه إلى الشبيبة في باحة الصرح البطريركي في بكركي، وتوجيهاته الأبويّة ليكونوا شهوداً ورسلاً لفرح المسيح، لأنّ الإيمان يقود إلى ملء الحريّة والفرح. إنّ إقرار قداسته بالصعوبات التي تعترض الشبيبة كان هامّاً جدّاً، ومن خلفيات هذه الصعوبات : قلة الاستقرار والأمن، وصعوبة إيجاد عمل، أو حتى الشعور بالوحدة والتهميش. ورغم كلّ التحديّات الخطرة في طريق بناء مستقبلٍ زاهر، استنكر البابا بأن تدفع البطالة وعدم الاستقرار بتذوق عسل الهجرة المرّ. لأنّ الهجرة هي اقتلاع من الجذور، وانفصال كليّ لمَن يتوجّه نحو مستقبلٍ غامض. إنّ حثَّ قداسته للشبيبة في أن تكون في الكنيسة ومع الكنيسة كان رائعاً جدّاً، خاصّةً عندما استشهد بقول الطوباوي البابا يوحنّا بولس الثاني : لا تخافوا، افتحوا أبواب عقولكم وقلوبكم للمسيح.

نقطة أخرى مهمّة جاءت في مداخلة قداسته إلى الشبيبة وهي الإشارة إلى الإحباط الذي يجب أن يكون بعيداً عن فكر الشباب، وهكذا تبقى عوامل المخدرات والتعاسة والإباحية بعيدةً عن حياتهم، ومع هذه الوصيّة دعاهم ليتعلّموا من المسيح القدوة، الانفتاح الكامل على الآخر، حتّى وإن كان هذا الآخر ينتمي إلى ثقافةٍ أو ديانةٍ أو جنسيّةٍ أخرى. وعندما أشار إلى توقيعه على الإرشاد الرسولي لم ينسَ دور الشباب فقال لهم : هذه الرسالة موجهة إليكم وإلى شعب الله بكامله. وعندما قال للشباب اللبنانيّين : أنتم رجاء بلدكم ومستقبله أنتم أرض الضيافة والعيش المشترك، كان يقولها لكلّ شبيبة الشرق الأوسط.

كان للأب الأقدس كلمات جريئة بشأن استيراد وتوزيع الأسلحة على المقاتلين في سورية، فقد اعتبر هذا الأمر ” خطيئة مميتة ” ودعا إلى استيراد ” أفكار، سلام وإبداع “. كما صرّح مدير دار الصحافة التابعة للكرسي الرسولي بأنّ جلّ ما يستطيع البابا القيام به هو إعلان رسالة السّلام، فما زاد عن ذلك هو تدخّل غير مسموح في سيادة الدول، ما رأيك ؟

المطران غريغوريوس يوحنا ابراهيم: من حق كلّ صاحب ضمير أن يكون إلى جانب قداسة البابا في رؤيته بشأن استيراد وتوزيع الأسلحة على المتقاتلين في سورية. وفي المسيحيّة كُبرى الخطايا هي الخطيئة المميتة، وفعلاً قتل الإنسان هو خطيئة مميتة، وعندما يندِّد قداسته باستيراد وتوزيع الأسلحة كأنّه يقول : كفاكم يا تُجار الحروب والأسلحة بتدمير كيان الإنسان والإنسانيّة، خاصةً وأنّه ب
رَّر المطالبة بعدم نقل الأسلحة، لأنّه من دون السّلاح لا يمكن للحرب أن تستمرّ، وهذا فكر راقٍ جدّاً، ورأي صائب، مبني على تعليم الإنجيل المقدّس، الذي أوصانا بأن نُحبَّ أعداءنا ونحسن إلى مَن أساء إلينا. ففي موعظته على الجبل قال السيد المسيح عن وصيّة : لا تقتل ! ومن يقتل يكون مستوجب الحكم، أمّا هو فقال : إنّ كلّ من يغضب على أخيه باطلاً يكون مستوجب الحكم.

وفي رأيي أنّ وجود البابا في لبنان البلد الشقيق لسورية، كان عليه أن يقول كلمة حق في ما يجري على أرض سورية. لقد تعبنا جميعاً نحن المواطنين والمؤمنين بالله بنتائج هذه الحرب القذرة التي أودت بحياة عشرات الآلاف من الضحايا الأبرياء، ومئات الآلاف من الجرحى، وأكثر من مليوني مشرد ومهمّش في المجتمع، وعدد كبير من المفقودين. فالسؤال أين هو الضمير عند الإنسان العاقل الذي لا يقول للأطراف المتحاربة : كفاكم، قتلتم الإنسان، ودمرتم البنية التحتية لبلدكم. ثمّ لم يكتفِ البابا بالتنديد والاستنكار، وإنّما أعطى مفهوماً واضحاً بديلاً عن استيراد الأسلحة وهو استيراد أفكار، سلام وإبداع. وأكّد على أن نقبل الآخرين باختلافاتهم، وأن نظهر احتراماً متبادلاً للديانات، واحترام الإنسان كصورة الله، ومحبة القريب، كعنصر أساس لكلّ ديانة، فأنا أرى بأنّ البابا على حقّ عندما يُصرِّح بأنّ استيراد وتوزيع الأسلحة هو خطيئة مميتة.

* * *

سننشر القسم الثاني من المقابلة يوم غد الخميس

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير