توج البطريرك مار بشارة بطرس الراعي اليوم الثاني من زيارته الى موسكو بلقاء البطريرك كيريل بطريرك موسكو وسائر روسيا للروم الارثوذكس حيث عرضا معًا للعلاقات بين كنيستيهما والقضايا المشتركة وللتحديات التي تواجه كنائس الشرق الاوسط. وأعرب البطريرك كيريل في كلمة ترحيب عن سعادته لتزامن زيارة البطريرك الراعي مع عيد مار مارون معتبرًا ان هذه الزيارة تشكل اهمية كبرى في تاريخ العلاقات المسكونية.
وفي كلمته شكر البطريرك الراعي للبطريرك كيريل دعوته لزيارة موسكو مؤكدًا حرصه على استمرار العلاقة المميزة بين الكنيستين وعلى إرساء قواعد التعاون المثمر والأخوة الحقيقية. ونقل غبطته للبطريرك كيريل محبة وتحية فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان ونيابة الكردينال صفير. وقال غبطته:
صاحب القداسة
1. يسعدني والوفد المرافق أن ألبّي دعوتكم المُحبّة لزيارة بطريركية موسكو وكلّ الروسيا، وأنتم رأسها وأبوها. ويُسعدني أن تتزامن الزيارة مع عيد القديس مارون في روزنامتكم. وقد احتفلنا صباح اليوم بالعيد في كنيسة سيدة البشارة، حيث تُكرّم أيقونته، وقدّمنا رسميّاً ذخيرته. وصلّينا على نيّة قداستكم والكنيسة الروسيّة رعاةً وشعباً. كما صلّينا من أجل الدولة الروسيّة وازدهارها وسلامها وخيرها الدائم.
2. أودّ أوّلاً أن أشكرَ قداستكم على هذه الدعوة، وعلى زيارتكم للكرسي البطريركي الماروني في بكركي لبنان بتاريخ 15 تشرين الثاني/نوفمبر 2011. وقد أردتم من خلالها التذكير بالعلاقات الروسيّة الكنسيّة بلبنان التي ترقى إلى النصف الثاني من القرن التاسع عشر، لاعتبار لبنان جزءاً من الأراضي المقدَّسة، التي كان يحجّ إليها المؤمنون الروس، فكانت لهم فيه إرساليّات ومدارس اُنشئت بالتّعاون مع بطريركيّة أنطاكية للروم الأرثوذكس. وذكّرتم أيضاً بزيارة سلفي الكردينال البطريرك مار نصرالله بطرس صفير إلى الكنيسة الروسية الأرثوذكسية سنة 1987. ومع التأكيد على أهمية النشاط المسكوني على المستوى اللاهوتي، أردتم أن تُدفع إلى الأمام جهودنا المشتركة، كمسيحيّين من مختلف الكنائس، من أجل تثبيت المسيحيّين في لبنان وسوريا وسائر بلدان الشَّرق الأوسط: وتثبيتهم بإيمانهم وأرضهم ورسالتهم. فإنّ عمرهم في هذه المنطقة الشّرق أوسطيّة يرقى إلى عهد السيّد المسيح والرسل والكنيسة الناشئة. وقد طبعوا ثقافات بلدانهم بالقيم الإنجيليّة والروحيّة والإنسانيّة والإنمائيّة، وأسهموا في نهضة بلدانهم الثقافيّة والاقتصاديّة والتجاريّة. وكانوا دائماً مواطنين صالحين مُحبِّين لأوطانهم، وخاضعين للسلطات المحليّة والقوانين، وعنصر سلام واستقرار، وأطلقوا مع مواطنيهم المسلمين، ولا سيّما في لبنان، حوار الحياة والثقافة والمصير.
3. لقد أعربتم، صاحب القداسة، في رسالة الدعوة لهذه الزيارة، المؤرَّخة في 2 شباط الجاري، عن ضرورة “تطوير التعاون الوثيق بين بطريركية موسكو والكنيسة المارونيّة، لكونه ملحّاً للغاية”. وأشرتمْ في الرسالة عينها إلى أنّ “الوضع القائم بنتيجة التغيّرات السياسية في دول الشّرق الأوسط وأفريقيا الشمالية، قد اكتسب منحىً مهدّداً للشعوب المسيحية في هذه المنطقة”.
لقد تباحثنا ظهر اليوم مع المتروبوليت إيلاريون، رئيس العلاقلات الخارجية في الكنيسة الروسية، حول مساحات التعاون بين كنيستَينا، نأمل أن تباركوها وتكمّلوها بما ترونه مناسباً.
4. إنّنا، من جهّتنا نقدِّر التعاون الوثيق بين بطريركيّتكم وبطريركيّة أنطاكية للروم الأرثوذكس، منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر، ولا سيّما عبر الجمعيّة الأمبراطوريّة الأرثوذكسيّة الفلسطينيّة. وخير شاهد على هذا التعاون الثقافي البنّاء “المدارس الموسكوبية”، في لبنان، التي ربّت العديد من أجيالنا اللّبنانية، علميّاً وروحيّاً ووطنيّاً. ونقدّر ما تبذلون قداستكم من جهود في سبيل “الوحدة الأرثوذكسية” التي تعتبرون أنّ “كل ظهور لها هو مجد مشترك، وفرح مشترك، وأنّ كلّ توتّر وكلّ نزاع في العائلة الأرثوذكسية الشاملة هو وجع مشترك وانكسار مشترك”. ولا شكّ أنّ وحدة العائلة الأرثوذكسيّة هي في أساس وحدة المجتمعات المتواجدة فيها، وأنّها خطوة كبيرة في المسيرة نحو وحدة المسيحيّين على مستوى الكنيسة الجامعة.
5. نحن ككنيسة انطاكية مارونية نرغب في تفعيل وجودنا الكنسي في موسكو، من خلال كنيسة سيدة البشارة ومار مارون. بحيث يكون لنا حضور فاعل بقربكم لدفع التعاون فيما بيننا، والعمل روحيّاً وثقافيّاً واجتماعيّاً وإنمائيّاً على تثبيت المسيحيين كما أشرنا، وعلى المساهمة في إحلال السلام والاستقرار في بلدان الشَّرق الأوسط، والمطالبة بحقوق المسيحيّين بعيش كريم في أوطانهم، ومشاركة في الحكم والإدارة والقرار الوطني، والمساواة مع الجميع في الحقوق والواجبات أمام القانون. وهذه حقوق تعود إليهم بحكم المواطنة. إنّ ما يحمي المسيحيّين في أوطانهم هو المناخ الديموقراطي الذي يُقرّ بالحريّات العامّة وحقوق الإنسان الأساسيّة، إلى جانب الاستقرار الأمني والازدهار الاقتصادي والتجاري.
إنّنا في لبنان نقدّر كثيراً دور الدولة الروسيّة البنّاء على كلّ المستويات، ولا سيّما الدعم الأمني للدولة والصيغة اللّبنانية، والدَّفع المُعطى للحياة الاقتصاديّة والتجاريّة،
والاتفاقيّات المنعقدة لهذه الغاية، والتعاون الثقافي، والمنح الجامعيّة.
نسأل الله، صاحب القداسة، أن يبارك جهودكم، ويكلّلَها بالنجاح، ويفيض على موسكو وروسيا الاتحادية الخيرات والنعم.
وساد المحادثات جو من التفاهم على ابرز القضايا المشتركة وخصوصًا على وجوب المحافظة على الدور المسيحي في الشرق وعلى أطيب العلاقات مع المسلمين لان الشرق هو نموذج الحوار الحياتي المعاش بين الدينين، كما كان توافق على ضرورة نبذ العنف والارهاب والحروب مع التشديد على وجوب اجراء إصلاحات دستورية وسياسية وتعزيز الحريات العامة وحقوق الانسان وهذا ما يجب ان يتم بالحوار والتفاهم.
شارك غبطة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي قبل ظهر اليوم الأربعاء ٢٧ شباط ٢٠١٣، في وكان الكردينال الراعي قد شارك صباحًا في احتفال عيد مار مارون بحسب الروزنامة الروسية الى جانب رئيس الأساقفة ارسانيوس والسفير البابوي إيفان يوركوفيتش والمطران نيفون سيقلي وعدد كبير من الأساقفة والكهنة والمؤم
فعند الساعة التاسعة والنصف صباحًا وصل غبطته الى كنيسة مار مارون حيث تكرّم إيقونته منذ العام ١٧١٠، وبدأ الاحتفال بالذبيحة الإلهية ثم وضع الكردينال الراعي ذخائر القديس مارون، التي نقلها من الفاتيكان السفير البابوي، في وسط الكنيسة حيث أقيمت صلاة خاصة للمناسبة بارك في ختامها نيافته المؤمنين بالمياه المقدسة كما وزّع على الاطفال إيقونة مار مارون وعلى الجميع صورة اب الكنيسة المارونيةا لتي طبع عليها صلاة خاصة بالمناسبة.
وعند تسلٌمه الذخائر ألقى رئيس الأساقفة كلمة ترحيب بالبطريرك الراعي متوقفًا عند التكريم الذي تقيمه الكنيسة الأورثوذكسية للقديس مارون قناعة منها بفضائله وبقداسته. وقال : ًنتسلم من غبطتكم اليوم كرمة عظيمة، ذخيرة القديس مارون التي فتشنا عنها كثيرًا وانتظرناها والتي ستأخذ مقامها الرفيع في كنيستنا، والتي كانت لها قبل الثورة. اننا نشكركم من صميم قلوبنا لأنكم بمحبتكم تزيلون كل الحواجز وتسقطون الجدران المرتفعة، وبرباط الأخوة والاحترام في ما بيننا يمكننا حلّ كل المشاكل.ً وختم رئيس الأساقفة ارسانيوس: “فلتفرح موسكو الأرثوذكسية باستلامها ذخيرة القديس مارون كي يتبرك منها الشعب. وأننا في هذا الاحتفال العظيم الذي توّجه حضور غبطة البطريرك الراعي نتوجه بالشكر الى غبطته ونؤكد له ان الروح والصلاة تجمعنا وأننا نشكر الله الذي أعطانا اسباب الفرح العظيمة هذه”. وبعد ادخال الذخائر الى الكنيسة تحدث رئيس الأساقفة عن فضائل القديس مارون، وقال متوجهًا الى الكردينال الراعي:” اسمحوا لي ان اشكركم على هذه الزيارة التي اضافت حرارة على موسكو، وعلى زيارة هذه الكنيسة في يوم عيدها ولاسيما على هذه الصفحة التاريخية التي اضفتموها على حياة كنيستنا”. ثم كانت كلمة ترحيب وشكر لكاهن الرعية الذي عبر عن افتخار ابناء الرعية بتكريمهم للقديس مارون الذي أعطى نعمة الشفاء من الامراض لكثير من بينهم . وهذا ليس فقط في روسيا انما في كل أنحاء العالم. وان وجود البطريرك الماروني بيننا اليوم زاد من عظمة هذا الحدث التاريخي اليوم.” ثم قدم رئيس الأساقفة ايقونة القديس مارون الى غبطته وجرى تبادل للهدايا.
من جهته رد البطريرك الراعي بكلمة شكر عبّر فيها عن فرحه وتأثره بالاحتفال التكريمي المهيب لمار مارون الذي علمنا ان الحياة المسيحية تقوم اولا على الصلاة، هذه الصلاة التي كان يشفي بواسطتها المؤمنين من كل انواع الامراض. وتوقف غبطته عند سيرة حياة القديس مارون التي تميزت بالتقشف والصلاة على الموت والقيامة. وعلى غرار هذا فان الكنيسة في روسيا عاشت اختبار حبة الحنطة. وأضاف: “لقد مات القديس سنة ٤١٠، وعاش تلاميذه من بعده حقيقة المجمعين الكبيرين: أفسس (مريم والدة الاله) ومجمع خلقيدونيا ( المسيح الاله والإنسان الكامل) وكل روحانية الكنيسة المارونية وليتورجيتها قائمة على سر المسيح والتجسد وعلى مريم ام الكنيسة ورفيقة الدرب. وسنة ٦٨٥ انتخب رهبان دير مار مارون السبعمئة على العاصي اول بطريرك ماروني هو القديس يوحنا مارون الذي نحتفل بعيده في ٢ اذار. وختم البطريرك الراعي ” نطلب شفاعة قديسينا ومن بينهم الأخوة المسابكيين الذين استشهدوا سنة ١٨٦٠ وطوبوا سنة ١٩٢٩ والقديسين : شربل، نعمةالله، رفقا، أبونا يعقوب، الاخ اسطفان، وننتظر حاليا تطويب البطريرك الكبير اسطفان الدويهي والاب بشارة ابو مراد وهكذا يتابع مار مارون طريقه عبر القديسين. ولذلك يسمى لبنان الوطن الروحي للموارنة.
وبعد الظهر توجه غبطته الى الكريملن حيث زار ثلاث كنائس اثرية وجال على رسوماتها وايقود
ناتها التي تعود الى القرن الثالث عشر. ثم زار الكردينال الراعي رئيس الأساقفة المطران هيلاريون المسؤول عن العلاقات الخارجية في بطريركية روسيا الذي ألقى في بداية اللقاء كلمة ترحيبية وتطرق الى الأوضاع في سوريا، محذرًا من تنامي القوى الراديكالية التي لن توفر اي بلد في المنطقة وفي مقدمتها لبنان. وقدم غبطته عرضًا مفصلا عن اوضاع المسيحيين في الشرق الاوسط وتحديات الحضور المسيحي وأهميته والعلاقات مع اخوتهم المسلمين الذين بنوا معهم مجتمعاتهم العربية من خلال حوار الحياة والمشاركة مشددا على رفض تسميتهم بالاقليات وعلى ضرورة التعاطي معهم على قاعدة المواطنة الكاملة لانهم اصيلون واصليون في هذا الشرق وهم اساس النهضة فيه.