بقلم اندريا تورنيلِّي
كما اعتاد في الماضي على ارتجال عظاته، منذ كان كاهنا، رفع البابا فرنسيس يوم امس ايضا عينيه عن النص المكتوب، بعد ان قرأ "من جملة الجروح التي اثخن بها الشرُّ البشريةً ، الشغف وحب المال" وقال: "كانت جدتي تقول لنا دائما ونحن صغارا: ليس للكفن جيوب، نحن مضطرون ان نترك كل الخيرات التي حصلنا عليها على الارض، ولن نأخذها معنا في رحلتنا الأخيرة". وهكذا وعلى غير عادة القداديس البابوية في ساحة القديس بطرس، فان اقتباس من جَدَة البابا فرنسيس كان له مكان في عظته يوم احد الشعانين.
كان البابا فرنسيس يُشيُر الى والدة ابيه، روزا مارغريتا فازالُّو، والمولودة عام 1884 في فالبورميدا (ايطاليا) وكانت قد تزوجت في تورينو من جوفاني بيرجوليو، ومنهما وُلِدَ عام 1908 والد البابا واسمه ماريو. وفي شهر كانون الثاني (يناير) من عام 1929 تركت عائلة بيرجوليو بورتاكومارو (ايطاليا) وشدت الرحال الى بوينوس ايريس، ليَلْتَمَّ شملُهُم مع باقي افراد العائلة الذين هاجروا الى الارجنتين. ورغم الجو الحار والمشبع بالرطوبة، في النصف الجنوبي من الكرة الارضية، وفي شهر كانون الثاني، وهو ذروة فصل الصيف، كانت السيدة روزا، تأتزر معطفا ثقيلا مع قبة من فرو الثعلب، وهو غير مناسب لمثل ذلك الجو الحار، لكن في بطانة ذلك المعطف كانت تخبئ كل عوائد بيع ممتلكات العائلة.
ولد جورج الصغير في شهر كانون الاول (ديسمبر) من عام 1936. ومنذ نعومة اظفاره كان يقضي بعضا من اليوم في منزل اجداده، حيث نقل عنهم بعضا من لهجة منطقة "بيدمونت"، ولكن بشكل خاص اخذ عنهم الايمان المسيحي. وفي مقابلة اجراها معه راديو رعية مدينة فيلا 21 الفقيرة من ضواحي مدينة باراكاس، واذيعت في شهر تشرين الثاني(نوفمبر) المنصرم، (وهي احدى احياء الاكواخ الفقيرة في بوينس ايرس،) قال من اصبح البابا فيما بعد:" ان من علَّمني الصلاة هي جدتي. فقد تركت اثرا عميقا من الايمان في داخلي، وكانت تروي لي قصص القديسين.
وقبل بضعة اعوامٍ، وفي مقابلة مع شبكة “إي دبليو تي إن) (EWTN) الامريكية والتي ما زال بالامكان مشاهدتها على الرابط التالي: (cantualeantonianum.com)، قال الكاردينال بيرجوليو (( في احدى المرات، يوم كنت في المعهد الاكليريكي، قالت لي جدتي:"لا تنسَ ابدا انك ستصبح كاهنا، واهم شيء بالنسبة للكاهن هو اقامة القداس". ورَوَتْ لي عن امٍ انها قالت لإبنها، وقد كان ابنها حقيقة كاهنا قديسا :" إحْتَفِل بالقدَّاس، كلِّ قداسٍ، كما لو كان أوَّل وآخِر قداسٍ لكَ"))
وفي مقابلة مع مجلة " اليسوعي" اخبر الكاردينال بيرجوليو انه يحتفط بداخل كتاب الفرض الخاص به، وهو كتابُ صلوات يومية من مجلدين يحمله معه دائما حتى في اسفاره، يحتفظ بمخطوطة من جدته. والمخطوطة عبارة عن وصية صغيرة تركتها لاحفادها من عائلة بيرجوليو ويُقرأ فيها ما يلي: " أطلبُ لاحفادي هؤلاء، والذين احببتهم من كل قلبي، ان يعيشوا حياة سعيدة وطويلة الأمد ، واذا حصلَ واصابهم في يوما ما ألمٌ او مرضٌ او فقدانُ عزيزٍ عليهم ، وجعلهم يشعرون بالحزن، ان يتذكروا بأن تَنَهُداَ أمام بيت القربان، حيث يوجد اكبر الشهداء وبِكرهم، وأن نظرة الى القديسة مريم الواقفة تحت الصليب، يمكنهما ان يصبا نقطة من البلسم لتشفي الجراح الاكثر عمقا وألما."
وفي اول صلاةٍ " السلام الملائكي" له؛ يوم الاحد الموافق 17 اذار، استشهد البابا فرنسيس بسيدةٍ اخرى كبيرة بالسن، ولم تكُن جدته، ولكنه كان يناديها " جدتي" حسب العادات التقليدية في الارجنتين. وكانت سيدة متقدمة بالسن، وقد ذهبت للاعتراف عنده عندما كان اسقفا، وقالت له:" لو لم يغفر اللهُ للجميع، لما وُجِدَ العالم". وقد علَّق البابا فرنسيس في يوم ذاك الاحد قائلا:" كان بودي ان اسألها: ارجو ان تخبريني يا سيدتي، هل درست في الجامعة الغريغورية"؟
اذن علينا ان نتعود على مثل هذه الاستشهادات والاقتباسات القريبة جدا من ايمان البسطاء، والفعالة والتي يمكن للجميع فهمها، وسوف ينثرالبابا الكثير منها على خطاباته وعظاته. وهي ما يميز اسلوب البابا الذي بقي كما هو، حتى في طريقة العيش التي يفرضها عليه مركزه. وقد احضر معه من الارجنتين، زوجين اسودين من الاحذية القديمة ، والتي قام للتو باصلاح نعليهما، حسبما ذكرت فيرجينيا بونار، وهي احدى المتعاونات مع رئيس اساقفة الارجنتين سابقا، وذلك في برنامج "على صورته" الذي اذيع على قناة "راي1" (Rai Uno) الايطالية.
ترجمها عن الايطالية - سامح المدانات