نرسل إلى وسائل الإعلام المسيحية توضيحًا للشعار البطريركي الذي اتّخذه مار لويس روفائيل الاول ساكو. والتوضيح مكتوبٌ بقلمه ويشرح لبنات وأبناء الكنيسة الكلدانية ولغيرهم برنامج خدمته بوضوح. إنّه برنامجٌ كنسي منفتح متفاعل وليس برنامجًا سياسيًا ولا قوميًا. فالسياسة والقومية أمران متروكان لأشخاص ومؤسسات أخرى ولا يمكن زجّ الكنيسة فيهما، فنرجو ان يُقرأ التوضيح بإمعان.
شعاري: رسمه رسّامٌ ايطالي بثلاثة أبعاد، كما هو موضح هنا. لم اتّخذه جُزافًا، بل عشته منذ بدايات كهنوتي قبل نحو أربعين سنة، وتبلورت واتضحت سماتُه من خلال عملي الرعوي الطويل ودراستي وكتاباتي. إنّه يمثّل قناعتي وخطّي المشرقيّ، وأعدُّهُ خارطة طريق لخدمتي وأعمل من أجل تحقيقه إلى النهاية. وأودّ شرحه بإيجاز لمن يرى فيه لبسًا أو يقرأه “بالمقلوب”!
الأصالة، أي البداية الممتازة، في كيانها الحقيقي والجوهري. أصالة متفاعلة ومتحاورة وغنيّة، بها نُطوّر ذاتنا وكنيستنا بالانفتاح على الواقع الجديد وتأوين تراثنا وتحويله الى حيويّة وخصب، وليس بالتعصب والانغلاق على الماضي. فالانغلاق علامة جمودٍ وموت، بينما الأصالة عاملُ نموٍّ وتطّور وارتقاءٍ وعونٍ في مواجهة الحاضر وتحدِّياته وآفاقه.
الوحدة. الانقسامات في تاريخنا الكنسي ناجمة عن فكرٍ ضيّق متعصّب انعزالي، يحتمي بغطاء عقائدي. والمنقسم أو “الطائفي” هو من يدور حول نفسه ولا يرى الآخر، وهو بعيدٌ جدًا عن الفكر الإنجيليّ المنفتح والحواري. والكنيسة حوارية في جوهرها لأنها مولودة من الثالوث الأقدس. والفكر الحواري وحدوي، والوحدة ليست ذوبانًا في “النمط الواحد”، بل تمدّ الجسور من غير عقد ولا جدارات، تعمل في الشخص والجماعة والكنيسة لتصل الى الآخر وتوطّد العلاقة والثقة والشركة التامة والشهادة.
أودّ أن أسأل المتعصبين بأي مسيحٍ يؤمنون، وإلى أية كنيسةٍ ينتمون؟ فكنيستنا الكلدانية الكاثوليكية، مهما كانت صعوباتها، كنيسة يعمل فيها الروح، “والروح يهبّ حيث يشاء”، وهي قادرة على محاورة نفسها بثقة لتخدم رسالتها وفقًا لشعارها الرائع: “القيامة والحياة والتجدد- قيمةا وخيا وخودةا”، كنيسة مرسلة الى كل العالم وليس الى فئة معينة، كنيسة المسيحيين والمسلمين الذين نعيش في وسطهم والذين ينتظرون منّا شهادة محبة وغفران وخدمة.
كل انقسام يتناقض مع الإيمان المسيحي ويتعارض مع صلاة يسوع “ليكونوا واحدًا… وكرسهم بالحق”. لذا أدعو الجميع إلى الخروج من الترسبات النفسية والتاريخية والاجتماعية لتعود إلينا الوحدة والشركة التامة وهي قوّة. وإنّي مستعد لتحقيق الوحدة الى أبعد حدّ، كما صلّى من أجلها المسيح ودعت إليها الكنيسة الجامعة.
التجديد، سنّة الحياة، لأن الانسان كائن حيّ ينمو ويتجدد. ومَنْ لا يتجدد، “يَخيس” كما نقول بالعاميّة. الكنيسة جماعة حيّة تدرك أنها تحمل قضيّة تتجدد دومًا، “البشرى الإنجيلية، الخبر السار”، وفيها حيوية وحماسة وإبداع. لا أقصد تجديدًا خارجيًا سطحيًا، بل تجديدًا عميقًا ورصينًا وأصيلاً، كما رسمه بقوّة المجمعُ المسكوني الثاني (وثيقة سرّ الكنيسة). الثوابت قليلة وبديعة، وتحمل في ذاتها التجديد. واليوم مطلوب من الكنيسة أن تجدد بُناها التحتية وروحانيتها باستمرار، وان تعيدَ صياغة خطابها اللاهوتي والتعليمي وممارساتها الطقسية لكي تكون ناطقة ومفهومة، تشدّ الناس وتساعدهم على عيش معانيها. طقوسنا فيها اصالة، وهي قابلة للانفتاح والتجديد بحسب المكان والزمان وثقافة الناس وحساسيتهم. يقول القديس يوحنا الذهبي الفم “الطقوس هي من أجل الإنسان وليس العكس”. والبابا فرنسيس، في عظة عشية القيامة، أكدّ على الجديد في الكنيسة: “الجديد يُخيفنا، وكذلك الجديد الذي يقدّمه الله لنا، الجديد الذي يطلبه منا. إننا نخاف من مفاجآت الله. دعونا ألا نُغلق أنفسنا أمام الجديد الذي يريد الله تقديمه في حياتنا”.
الحاجة: كنيستنا بحاجة إلى “ولادة جديدة”، إلى إصلاح شامل لانها شاخت وهرمت في أبعادها الكنسية الأساسية بسبب تقادم الزمن عليها ولأسبابٍ أخرى لا أودّ ذكرها. وللقيام بهذه “الولادة الجديدة”، نحتاج الى مشاركة المؤمنين من كِلا الجنسين، مشاركة فعليّة وسخيّة لتشكيل فرق عمل متعددة، كلٌ في اختصاصه، من مفكرين ولاهوتيين وأدباء وشعراء وموسيقيين وإداريين ومهندسين وسياسيين، الخ. لتعود كنيستنا إلى حيويتها وتلعب دورها الريادي، وتحمل رسالتها نورًا ونارا، وحبًا وسلامًا وخلاصًا. إننا نحتاج إلى مؤتمر – سينودس كلداني بامتياز. سنعدّ له، إن شاء الله، وسيتم وسنجد له آلية للتنفيذ.