الإيمان والكنيسة

رسالة شهر مايو 2013

Share this Entry

كما أَحَبَّ المسيحُ الكَنيسة وجادَ بِنَفسِه مِن أَجْلِها لِيُقدَسَها مُطهِّرًا إِيَّاها بِغُسلِ الماءِ وكَلِمَةٍ تَصحَبُه، فيَزُفَّها إِلى نَفْسِه كَنيسةً سَنِيَّة لا دَنَسَ فيها ولا تَغَضُّنَ ولا ما أَشْبهَ ذلِك، بل مُقدَّسةٌ بِلا عَيب.             أف ٥: ٢٥- ٢٧

فى اللحظات التالية لموت سيدنا يسوع المسيح على الصليب اراد الجنود التأكد من موته لكى لا تبقى الأجساد معلقة فى سبت الفصح بحسب اليهود، “لكِنَّ واحِداً مِنَ الجُنودِ طَعَنه بِحَربَةٍ في جَنبِه، فخرَجَ لِوَقتِه دَمٌ وماء”  يو ١٩: ٣٤، هنا نتأمل فى كلمات بليغة لذهبى الفم تساعدنا على التعمق فى إدراك سر الكنيسة:

“الكنيسة جُبلت من جنب المسيح كما جُبلت حواء من جنب آدم…. لا تعبر ببساطة أيها الحبيب على هذا السر فإن عندى كلام آخر سرياً أريد أن أقوله :أن الماء والدم يرمزان الى المعمودية والافخارستيا ومن كليهما نشأت الكنيسة. “بل على قَدْرِ رَحَمَتِه خَلَّصَنا بِغُسْلِ الميلادِ الثَّاني والتَّجديدِ مِنَ الرُّوحِ القُدُسِ.”    تى ٣: ٥،  ولكن رمز المعمودية والافخارستيا قد خرجا من جنب المسيح .اذن فقد جبل المسيح الكنيسة من جنبه كما جُبلت حواء من جنب آدم. لذلك يقول موسى فى حديثه على لسان الانسان الاول “هي عَظْمٌ مِن عِظامي ولَحْمٌ مِن لَحْمي” تك ٢ : ٢٣ موجهاً أنظارنا كما فى لُغز الى جنب السيد .فكما أخذ الله حينذاك ضلعآ وجبله امرأة هكذا أعطانا من جنبه دماً وماء وجبل الكنيسة. وكما أنه أخذ الضلع حينذاك أثناء سبات آدم النائم، هكذا الان من بعد موت المسيح أعطى الدم والماء  ..”  من عظة القديس يوحنا ذهبى الفم الى المعمدين الجدد

إن الكنيسة هى تدبير إلهى منذ الأزل، فعلى الرغم من أنها جاءت فى المشهد النهائى لعمل المسيح على الأرض إلا أنها كانت التدبير الإلهى الأول بأن تصير البشرية جمعاء جسداً واحداً مقدساً مؤلهاً فى المسيح متحداً بالثالوث القدوس، وهنا يجب العودة لقانون الإيمان وهو يعلن إيماننا بكنيسة واحدة مقدسة جامعة، رسولية ….

نؤمن بكنيسة واحدة: إن الوحدة هى علامة أصيلة على المحبة ورغبة المسيح الملحة التى يرفعها إلى الآب لأجل كل المؤمنين به، “يا أَبَتِ القُدُّوس اِحفَظْهم بِاسمِكَ الَّذي وَهَبتَه لي لِيَكونوا واحِداً كما نَحنُ واحِد.” يو ١٧: ١١ فنحن مدعوين لنحيا الوحدة فى الكنيسة على مثال الثالوث القدوس. إن توق أعضاء كنيسة المسيح إلى الوحدة الكاملة هو دليل حقيقى على عمل الروح القدس داخلهم وما نراه هذه الأيام من خطوات تجاه الوحده يؤكد قيادة المسيح لكنيسته بالروح لتكون بحسب قلبه “فيَكونُ هُناكَ رَعِيَّةٌ واحِدة وراعٍ واحِد” يو ١٠:١٦ فلننتبه تمام الإنتباه أن دعوات التعصب والشقاق هى ضد روح المسيح!

نؤمن بكنيسة مقدسة: ليست الكنيسة مقدسة لأن بها قديسين بل لأن رأسها المسيح هو قدوس وهو الكرمة الحقيقية التى تضخ العصارة المقدسة فى الأغصان، هذه الأغصان هى نحن الخاطئين المؤمنين أعضاء كنيسته الذين لا نفعل أى شىء سوى الثبات فى الكرمة الإلهية بالإيمان والصلاة المستمرة، فتصير لنا سمات الكرمة الإلهية لأنها أعطيت لنا مجاناً، هذه القداسة تمنح لنا فى الحقيقة من خلال الأسرار الإلهية وعلى رأسها سر المعمودية وسر الإفخارستيا وحلول الروح القدس بمواهبه وعطاياه الغير محدودة. فلنتذكر دوما أن القداسة سمة لا تطلق إلا على الله الذى هو وحده قدوس ولا يلتصق هذا الإسم بنا فنصير قديسين إلا بنعمته التى يفيضها علينا.

نؤمن بكنيسة جامعة: أى أنها شاملة تجمع كل البشر من كل الأجناس والحضارات والثقافات والألوان والأوساط الإجتماعية، فالكنيسة التى تنغلق على نفسها أو على فئة  بشرية من أى نوع أو يجد أى من المؤمنين فيها صعوبة فى التواصل أو يقابله فيها رفضاً أو تهميشاً من أى نوع هى فى الحقيقة لا تعبر عن إيمان حقيقى وإخلاص حقيقى للمسيح رأسها فلنتذكر دوماً قول المسيح: “أقولُ لَكم: سَوفَ يَأتي أُناسٌ كَثيرونَ مِنَ المَشرِقِ والمَغرِب، فَيُجالِسونَ إِبراهيمَ وَإِسحقَ ويَعقوب على المائِدةِ في مَلَكوتِ السَّمَوات.” فالدعوة للخلاص شاملة والأخوة البشرية فى المسيح مطلقة، فهل ننفتح فى كنائسنا على المختلفين عنا فى لون البشرة على سبيل المثال مثل من هم مثلنا؟

نؤمن بكنيسة رسولية: إن كنيستنا اليوم هى ذات كنيسة الرسل، لقد كانت الوصية الأخيرة للسيد المسيح قبل صعوده إلى السموات: “فاذهَبوا وتَلمِذوا جَميعَ الأُمَم، وعَمِّدوهم بِاسْمِ الآبِ والابْنِ والرُّوحَ القُدُس، وعَلِّموهم أَن يَحفَظوا كُلَّ ما أَوصَيتُكُم به، وهاءنذا معَكم طَوالَ الأَيَّامِ إِلى نِهايةِ العالَم” متى ٢٨: ١٩-٢٠ ومازالت الكنيسة تحمل مسئولية هذه الوصية نحو الذين لم يكتشفوا سر المسيح القائم من بين الأموات، فلننتبه إلى هذا الواجب المفروض على كل المؤمنين بالكنيسة فالرسالة التى نقوم بها بأى شكل كانت هى طاعة للإيمان بالمسيح، والسؤال الأهم هل نقوم بأى شكل من أشكال الرسالة فى حياتنا؟

إن الإيمان بالكنيسة يقتضى منا الإيمان بتدبير المسيح واختياره للرسل الأطهار وما أعطاه لهم من سلطان للحل والربط ومنح الغفران وكنوز العلم الإلهى الذى أفاضه عليهم ونعمة اكتشافه بشكل شخصى عميق “ذاك الَّذي كانَ مُنذُ البَدْء ذاك الَّذي سَمِعناه ذاك الَّذي رَأَيناهُ بِعَينَينا ذاكَ الَّذي تَأَمَّلناه ولَمَسَتْه
يَدانا مِن كَلِمَةِ الحَياة، لأَنَّ الحَياةَ ظَهَرَت فرَأَينا ونَشهَد ونُبَشِّرُكمِ بِتلكَ الحَياةِ الأَبدِيَّةِ الَّتي كانَت لَدى الآب فتَجلَّت لَنا” ١يو ١:١-٢. هذا السلطان قد امتد عبر الأجيال لخلفائهم فى كل بقاع الأرض وحتى يومنا هذا، فلابد من تقدير واحترام الكهنوت الذى أسسه السيد المسيح له المجد ممثلاً فى كل القيادات الكنسية وفى الكاهن وذلك يقودنا إلى نقطة هامة فى كنيستنا المعاصرة وهى المؤمنين وعلاقتهم بالكاهن، فالكاهن هو إنسان مدعو للخدمة من وسط جماعة المؤمنين ولإجلهم فيترك الكثير من حقوقه الإنسانية التى يتمتع بها الكثيرين حباً بالمسيح، إلا أن ذلك يقتضى أيضاً أن تدعمه جماعة المؤمنين بالصلوات الكثيرة من أجله ومن أجل ثباته بل ومساعدته أيضاً فى عمله الصعب، مؤمنين أن المسيح قد كرسه لرعاية الشعب وقدس يديه لتحمل لنا الأسرار المقدسة فإذا غاب هو غابت الأسرار وغابت النعمة عن المؤمنين، فالإيمان بالمسيح والكنيسة يقتضى تقدير تلك النعمة والهدية التى منحها المسيح لشعبه بتوفير كهنة لرعايتهم.

فى النهاية نؤكد أن الكنيسة هى الوجود المادى المنظور للمسيح الحى على الأرض، ليست مسئولة عن المؤمنين فقط بل مسئولة عن الإنسان، كل إنسان، فكما كان السيد له المجد على الأرض يهتم ويسعى ويعتنى بكل إنسان بغض النظر عن إنتماءاته هكذا يجب أن نتصرف كجماعة مؤمنين من داخل كنائسنا نحو من هم خارجها، فالكنيسة المقدسة ليست حزبا أو جماعة أو قومية تهتم بشئونها ومصالحها فقط بل هى صوت المسيح واعماله التى تعلن الحق والرحمة والمحبة الإلهية اللامتناهية فى كل شئون الحياة اليوم حتى لو تضررت ودفعت أثمانا باهظة لذلك، هذا المسلك ليس مجرد موقف معلن من قيادات الكنيسة بل إيمان جماعة المؤمنين داخلها، فتبقى أمينة لسيدها متى رجع وجدها ساهرة ومستعده للقائه وغير مشكوك فى ثباتها فى الإيمان كما جاء على لسان مخلصنا:

“ولكِن، متى جاءَ ابنُ الإِنسان، أَفَتُراه يَجِدُ الإِيمانَ على الأَرض؟” لو ١٨:٨

اللجنة الأسقفية للعلمانيين والأنشطة الرسولية

Share this Entry

الأب بيوس أدمون فرح الفرنسيسكاني

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير