“إن الله، خاصة في هذه الفوضى، يتوجه للضمير الإنسان متسائلا: “أَينَ هابيلُ أَخوك؟”. فيجيب قاين: “لا أَعلَم. أَحارِسٌ لأَخي أَنا؟” (تك 4، 9). وهو يوجه لنا أيضا ذات السؤال. سيكون من الحسن أن نتساءل: أَحارِسٌ لأَخي أَنا؟ نعم، أنت حارس لأخيك!”، بهذه الكلمات القوية توجه البابا فرنسيس إلى أصحاب القرار وإلى ضمير العالم أجمع في يوم الصلاة والصوم لأجل السلام في سوريا.
ترتكز كلمات البابا على الفصل الرابع من سفر التكوين، وهي كلمات شهيرة يجيب فيها قايين على سؤال الله عن أخيه هابيل، لا لأن الله يجهل أن قايين قد قتل أخاه، بل لكي يجعل قايين يدرك حقيقة ما فعله.
والبابا أراد من خلال هذا اليوم ومن خلال سهرة الصلاة هذه أن يهز الضمير العالمي، وضمير الإخوة في الوطن الواحد لكي يوقنوا فظاعة ما يجري: الأخ يقتل أخاه!
بدأ البابا عظته متأملاً بخلق الله الأول حيث يقول لنا الكتاب: “ورأَى اللهُ أَنَّ ذلِكَ حَسَن” (تك 1، 12. 18. 21. 25).
وعلق البابا فرنسيس على تأمل الله هذا بخليقته قائلا: “إن هذا يجعلنا ندخل في قلب الله، ونستقبل بالحقيقة من أعماق الله رسالتَه.بإمكاننا أن نسأل أنفسنا: ما مغزى هذه الرسالة؟ وماذا تقول هذه الرسالة لي، ولك، ولنا جميعًا؟”.
تابع: “تقول لنا ببساطة أن هذا العالم في قلب وفي عقل الله هو “بيت للتناغم وللسلام”، إنه المكان الذي يمكن للجميع أن يجدوا فيه مكانهم الخاص وأن يشعروا بأنهم في “بيتهم”، لأنه “حَسَن”.
وأشار الأب الأقدس إلى أن محور هذه الخليقة المدعوة إلى التناغم هو الإنسان المخلوق على صورة الله ومثاله. البشر “هم جميعا يمثلون عائلة واحدة، تتميّز فيها العلاقات بإخوة أصيلة وليست بمجرد كلمات تُقال: فالآخر والأخرى هما الأخ والأخت الواجب محبتهما، لدرجة أن العلاقة مع الله، والذي هو محبة وأمانة وصلاح، تنعكس على جميع العلاقات بين الكائنات البشرية وتحمل تناغما للخليقة جمعاء”.
وتأسف البابا لأن العالم الذي نعيش الآن فيه هو بعيد كل البعد عن مشروع الله. فالأخ الواجب حمايته ومحبته “يتحوّل إلى خصم يجب محاربته وسحقه. كم من العنف قد ولد من تلك اللحظة، كم من الصراعات، وكم من الحروب، التي شوهت تاريخنا”.!
ثم تابع: “يكفي أن نرى مقدار ألم العديد من الإخوة والأخوات. إن الأمر لا يتعلق بشيء متآزر، وإنما هذه هي الحقيقة: إننا، في كل عُنف وفي كل حرب، نستنسخ قايين مجددا. نحن جميعا! واليوم أيضًا نستكمل ذات قصة الصراع بين الإخوة، اليوم أيضا نرفع ايادينا ضد مَنْ هو أخ لنا”.
وقال مشددًا: “اليوم أيضا نستسلم للسير خلف الأوثان، والأنانية، ومصالحنا؛ وهو سلوك يمضي قُدما: فقد طوَّرنا أسلحتنا، ونام ضميرنا، وجعلنا حجج تبرير أنفسنا أكثر رِقَةً وإقناعا. وكما ولو كان الأمر عاديا، نستمر في زراعة الدمار، والألم، والموت! إن العنف والحرب لا يجلبا سوى الموت، ولا يخبرا سوى عن الموتّ! العنف والحرب يتحدثان لغة الموت.
في وسط هذا التاريخ الدامي يذكرنا المسيح أن عالمًا آخرًا هو ممكن. فالمسيح عاش هذه اللغة التي يدعونا إلى عيشها. لغة النصر على الخير بالشر: “هناك، حيث على العنف لم يرد بالعنف، وعلى الموت لم يرد بلغة الموت. فليصمت، في صمت الصليب، ضجيج الأسلحة، لتتكلم لغة المصالحة، والغفران، والحوار، والسلام.
ثم دعا البابا فرنسيس المسيحيين وجميع مؤمني الأديان الأخرى للإيقان وللتصريح بأنه: “لا يمكن ابدا للعنف وللحرب أن يكونا طريقًا للسلام!
ثم تابع: “ليُنعِش كل واحد القدرة على النظر لأعماق ضميره وليستمع لتلك الكلمة التي تقول له: أخرج من مصالحك التي تُعوِّق القلب، تخطَ اللامبالاة حيال الآخر والتي تُفقد القلب قدرته على الإحساس، انتصر على مبرراتك للموت وانفتح على الحوار، وعلى المصالحة: أنظر نحو ألم أخيك ولا تضيف إليه مزيدا من الألم، كف يدك، وشيِّد التناغم الذي انكسر؛ لا عن طريق الصراع، بل عن طريق اللقاء”.!
ثم جدد النداء: “ليتوقف ضجيج الأسلحة! فالحرب تدل دائما على فشل السلام، وهي تمثل دائما هزيمة للبشرية”.