ليس لدينا ما نخاف منه في الأردن، ولعلّ الكثير من الاستنتاجات التي أطلقها هذا المسؤول لا تتعدّى كونها بديهيات وحياة طبيعية: مثل مشاركة المواطنين المسيحيين في البرلمان والانتخابات وتحديد تسعة مقاعد للمسيحيين وجلوس الطلاب من العائلات المسيحية المسلمة معاً… فهذا كله وغيره من بديهيات الحياة اليومية .
ومن محاسن الصدف أن تكون زيارة هذا المسؤول التي استغرقت أسبوعين، قد ابتدأت مع المؤتمر الدولي الذي دعا اليه جلالة الملك حول التحديات التي تواجه المسيحيين العرب، وهو مؤتمر فريد كان قراره شجاعاً بتسليط الضوء على المخاطر التي يتعرّض لها الانسان العربي بشكل عام، وكذلك على “واجب الدفاع عن بقاء الهوية العربية المسيحية التاريخية”، كما قال جلالة الملك للمشاركين. وفي الوقت الذي كانت كانت أعمال المؤتمر تصغي الى آراء وخبرات رؤساء الكنائس في المنطقة العربية، كان الخبير الأممي يجول، كما قال في مؤتمر صحفي، بين المدن والقرى الأردنية، ليستكشف واقع الحال الأردني المميّز وبخاصة في العلاقات الطبيعية بين المسلمين والمسيحيين.
انّ تصريح هذا المسؤول حول حالة الاعتدال الأردنية، ليس دعوة للنشوة والتباهي، بل هو مسؤولية ورسالة علينا تصديرها الى الخارج، بكل ما أوتينا من مبادرات اعلامية، وكذلك علينا واجب ترسيخ هذه الصورة، في كل المدن والقرى الأردنية.
ولتحقيق ذلك الهدف ، يطيب لي أن أعرض ثلاث نقاط تضمنتها كلمة أحد مشاركي المؤتمر، وهو الكاردينال جان لويس توران صديق الأردن الدائم، منذ أن كان وزيراً لخارجية الفاتيكان ( 1990 -2003) وكذلك كرئيس للمجلس البابوي للحوار بين الأديان، منذ عام 2007 الى اليوم، وبالرغم من اصابته بمرض الباركنسون، لكنه لبى نداء المملكة، وجاء لإلقاء كلمة لم تحظ مع الأسف بتغطية اعلامية مناسبة، حول تحديات المسيحيين العرب في المنطقة ككل. فبعدما أشاد بالمؤسسات الأردنية المختصة بالحوار مثل مؤسسة آل البيت الملكية للفكر الاسلامي برئاسة الأمير غازي بن محمد، وكذلك بالمعهد الملكي للدراسات الدينية برئاسة الأمير الحسن بن طلال، تحدّث عن أولويات ثلاث للعيش المشترك من اجل أن نأخذها بعين الاعتبار، فقال: أولا: دعونا نستمر بالعيش بعضنا مع بعض وليس بعضنا الى جانب بعض. وثانيا: دعونا نكمل الطريق الى حوار الأديان بأن نجعله أكثر مصداقية، فغالباً ما يكون الجهل من ضمن عوامل سوء الفهم. ونحن لا نعرف بعضنا بعضاً بصورة كافية، لذلك ركز توران على دور المدارس والجامعات. وثالثا: دعونا نتحد مسيحيين ومسلمين في تذكير جميع الناس بأنّ الدين والعنف لا يتفقان.
ذاك تصريح المسؤول الأممي، وهذه دعوة المسؤول الحواري. كلنا موقنون أنّ الأردن يمثل صوت الاعتدال الديني، لكنّنا بحاجة الى ترسيخ هذه الحقيقة وصونها لدى مجتمعنا ، وكذلك علينا واجب تصدير هذه الرسالة بأنفسنا الى كل بقاع الأرض.