بعد الانجيل المقدس القى غبطته عظة تحت عنوان "ويكرز بانجيل الملكوت في المسكونة كلها شهادة لجميع الامم" (متى 14:14) وقال فيها:1.زمن الصليب يحتوي على بعدين: الاول، هو زمن يفتح عقولنا وقلوبنا الى النهايات والواقعات الجديدة بعد الموت ونهاية العالم والازمنة، ويسمى Eschatologia، وبالتالي انتظار مجيئ المسيح الثاني وظهوره بالمجد ديانًا، ويسمى Parusia، اما البعد الثاني، فهو زمن الكنيسة المجاهدة لكي تبني ملكوت الله على الارض وسط المحن والمصاعب والاضطهاد، فتنشر انجيل الحقيقة والمحبة وتعمل على احلال العدالة والسلام. هذا ما يدعونا اليه الرب يسوع في انجيل ليوم: وسط التضليل والنزاعات والمصاعب والتباغض، "يكرز بانجيل الملكوت في المسكونة كلها شهادة لجميع الامم" (متى 14:24).2.يسعدني اننحتفل بهذه الذبيحة المقدسة مع السادة المطارنة الموارنة الذين انتخبوا خلال هاتين السنتين الاخيرتين وعددهم خمسة عشر اسقفًا، وقد تابعوا مع اخوتهم الاخرين دورة خاصة نظمها الكرسي الرسولي للمطارنة الجدد من مختلف ابرشيات العالم، وكان العدد الاجمالي 110 اساقفة. اننا نصلي من اجلهم ومن اجل ابرشياتهم وهم يعودون بعد اللقاء مع قداسة البابا وبعد هذه الدورة التثقيفية باستعدادات كبيرة وبحميّة غنيّة.3.اننا نصلي بنوع خاص اليوم من اجل الكنيسة بكل ابنائها وبناتها ومؤسساتها لكي تدرك انها تنتمي في هذا الزمن الى الكنيسة المجاهدة التي وسط المصاعب عليها ان تعلن انجيل الخلاص. ونصلي، مع قداسة البابا فرنسيس، ومعكم، من اجل الاستقرار السياسي والامني في لبنان، والسلام في سوريا ومصر والعراق، ومن اجل حلّ النزاعات القائمة بالتلاقي والحوار والتفاوض والتفاهمات السياسية، بعيدًا عن العنف والحرب والارهاب، كما يقول قداسته.4.انجيل الملكوت هو انجيل الشركة ببعديها العامودي والافقي: ايالاتحاد بالله، عموديًا، بسماع كلام الحياة، والصلاة، وممارسة اسرار الخلاص، والعيش في حالة النعمة، المعروفة بالصداقة مع الله. والوحدة بين جميع الناس، افقيًا، بروح الاخوّة والتضامن والترابط والعمل على انماء الشخص البشري والمجتمع.5.بلدان الشرق الاوسط، التي تمزقها النزاعات السياسية والحروب، مع ما يرافقها من سقوط ضحايا بريئة وتهجير عائلات بالملايين وتشريدها من دون شفقة حيث تتنامى فيها الاصوليات الاسلامية المشوّهة لجوهر الاسلام، والمعادية للمسيحية المشرقية، من دون سبب سوى انها حركات تكفيرية، تحركها دول لاغراض سياسية واقتصادية في المنطقة، بحاجة ماسة الى انجيل الملكوت الذي وصفناه، ولا سيما انجيل كرامة الشخص البشري، وقدسية الحياة وسلطة الله الوحيدة عليها وعلى مصير الشعوب، انجيل الحقيقة التي تجمع وتحرر، انجيل العدالة التي تعطي كل انسان وكل مواطن حقوقه الاساسية التي تقرّها شرعة حقوق الانسان، وانجيل السلام الذي يوفر كل ما يحتاج اليه الناس من خيرات الله والارض لكي يعيشوا بكرامة ويحققوا ذواتهم، ويجدوا مشروعهم الشخصي في الحياة. وقد علمنا اليوم عبر وسائل الاعلام بسقوط عشرات الشهداء المسيحيين في كنيسة استهدفها انفجار في مدينة بيشاور في باكستان. فمن أجل هذا السبب يحتاج العالم اليوم الى انجيل يسوع، وينبغي ان يُكرز بهذا الانجيل لان لا حياة للشعوب من دون هذا الانجيل الذي هو يسوع المسيح لخلاص كل انسان. 6.ان الارشاد الرسولي، الذي وقّعه قداسة البابا بندكتوس في بيروت، منذ سنة، وعنوانه: "الكنيسة في الشرق الاوسط، شركة وشهادة"، واطلق معه من لبنان نداء السلام لبلدان المنطقة، يرسم لنا خريطة الطريق، لكي نصمد كمسيحيين في اوطاننا العربية، ونحن فيها مواطنون اصليون واصيلون منذ الفي سنة. هذا الارشاد يجعلنا نحن المسيحيين ان نقلق ولكن دون ان نخاف لان الرب يردد دائما في الانجيل: "لا تخافوا انا هو"، فندرك ان وجودنا في بلداننا المشرقية مُراد من الله، ويندرج في صميم تصميم الخلاص الالهي. فحالة عالمنا العربي، شبيهة جدًا باوصاف الواقع الذي يتكلم عنه الرب في انجيل اليوم. لذا ينبغي ان "يُكرز في هذا الشرق بانجيل الملكوت". فيطلب من المسيحيين في شرقنا ان يكونوا بمثابة خميرة في العجين، فيحوّلون واقع التضليل الى حقيقة جامعة، وواقع النزاع والتباغض الى مصالحة وتفاهم وتقارب، وواقع الحرب والعنف الى سلام واخاء، وواقع التعصّب والاصولية الى تسامح واعتدال، وواقع الظلم والاستبداد الى العدالة والانصاف.
أجل، يقول لنا الرب اليوم: " يُكرز بأنجيلي للشهادة امام الامم". آمين