تابع البابا فرنسيس يقول: نجد الجواب في كتاب التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية الذي يؤكّد: أن الكنيسة المنتشرة في العالم: “لها إيمان واحد وحياة أسرارية واحدة، خلافة رسوليّة واحدة، رجاء واحد ومحبة واحدة”. وحدة في الإيمان والرجاء والمحبة، وحدة في الأسرار والخدمة: إنها كالأعمدة التي تحمل بناء الكنيسة الواحد والكبير. لذا فأينما ذهبنا حتى إلى أصغر الرعايا في أقاصي هذه الأرض نجد الكنيسة الواحدة، نكون في بيتنا في عائلتنا بين إخوتنا وأخواتنا، وهذه عطيّة كبيرة من الله!
أضاف البابا يقول: الكنيسة واحدة للجميع، وهي نفسها في كل مكان! إنها كالعائلة: يمكن للمرء أن يكون بعيدًا لكن الروابط العميقة التي تجمع الأفراد تبقى وطيدة بالرغم من المسافات. أعود بالذاكرة للأيام العالميّة للشباب في ريو دي جانيرو: بين حشود الشباب الغفيرة على شاطئ كوباكبانا كانت تُسمع لغات عديدة وتُشاهد وجوه ذات سمات مختلفة وتلتقي حضارات مختلفة، لكنها كانت متّحدة وكان باستطاعة المرء أن يشعر بهذه الوحدة!
لنسأل أنفسنا، تابع الأب الأقدس يقول، هل أشعر بهذه الوحدة؟ هل أعيشها؟ أم أنها لا تهمني لأنني منغلق على مجموعتي الصغيرة أو على نفسي؟ هل أنتمي لأولئك الأشخاص الذين يعملون على “خصخصة” الكنيسة لمجموعتهم الخاصة أو أمّتهم أو أصدقائهم؟ عندما أسمع عن العديد من المسيحيين الذين يتألمون في العالم، هل أبقى غير مبالٍ أم أتألم كفرد من العائلة؟ هل نصلّي بعضنا لبعض؟ من الأهمية بمكان أن ننظر خارج حظيرتنا وأن نشعر بأننا كنيسة، عائلة الله الواحدة.
لنسأل أنفسنا أيضًا: هل هناك ما يجرح هذه الوحدة؟ هل يمكننا أن نجرحها؟ للأسف، تابع الحبر الأعظم يقول، نرى خلال مسيرة التاريخ بأننا لم نعِش دائمًا هذه الوحدة، إذ تنبع أحيانًا بعض النزاعات والانقسامات التي تجرحها. وإن نظرنا إلى الانقسامات التي لا تزال اليوم بين المسيحيين: كاثوليك، أرثوذوكس وبروتستانت، نشعر بالتعب في إظهار هذه الوحدة، فالرب يمنحنا الوحدة لكننا غالبًا ما نتعب في عيشها. علينا أن نبحث ونبني الشركة ونربي عليها وعلى تخطي الانقسامات بدءا من العائلة والواقع الكنسي من خلال الحوار المسكوني.
أضاف البابا فرنسيس يقول: عالمنا بحاجة للوحدة والمصالحة والشركة والكنيسة هي بيت الشركة. يكتب القديس بولس إلى مسيحيِّ أفسس: “فأُناشِدُكم إِذًا، أَنا السَّجينَ في الرَّبّ، أَن تَسيروا سيرةً تَليقُ بِالدَّعوَةِ الَّتي دُعيتُم إِلَيها، سيرةً مِلؤُها التَّواضُعُ والوَداعَةُ والصَّبْر، مُحتَمِلينَ بَعضُكُم بَعضًا في المَحبَّة ومُجتَهِدينَ في المُحافَظَةِ على وَحدَةِ الرُّوحِ بِرِباطِ السَّلام” (أف 4، 1- 3). فالتَّواضُعُ والوَداعَةُ والصَّبْر والمحبة يحافظون على الوحدة! ويتابع قائلاً: “فهُناكَ جَسَدٌ واحِدٌ ورُوحٌ واحِد، كما أَنَّكم دُعيتُم دَعوَةً رَجاؤُها واحِد. وهُناكَ رَبٌّ واحِدٌ وإِيمانٌ واحِدٌ ومَعْمودِيَّةٌ واحِدة، وإِلهٌ واحِدٌ أَبٌ لِجَميعِ الخَلْقِ وفوقَهم جَميعًا، يَعمَلُ بِهم جَميعًا وهو فيهِم جَميعًا” (أف 4، 4- 6). هذا هو غنى ما يجمعنا! فليسأل إذًا كلٌّ منا اليوم نفسه: هل أعمل على تنمية الوحدة في العائلة، في الرعية والجماعة أم أنني سبب انقسام وإزعاج؟ هل أتحلى بالصبر لأضمد بصبر وتضحيّة جراح الشركة؟
تابع الأب الأقدس يقول: من هو الذي يحرّك وحدة الكنيسة هذه؟ إنه الروح القدس. فوحدتنا ليست ثمرة رضانا ولا ثمرة الجهد الذي نبذله في سبيل الاتفاق، وإنما هي من الروح القدس، هو الذي يوحد في الاختلاف، ويخلق التناغم. لذلك من الأهمية بمكان أن نصلّي، لأن الصلاة هي روح التزامنا كرجال ونساء لتحقيق الشركة والوحدة.
وختم البابا فرنسيس تعليمه الأسبوعي بالقول: لنسأل الرب قائلين: أعطنا يا رب أن نكون دائمًا أكثر اتحادًا وألا نكون أبدًا أدوات انقسام، إجعلنا نلتزم، كما نقول في صلاة فرنسيسكانيّة جميلة، لنحمل المغفرة حيث الإساءة والاتفاق حيث الخلاف.