1. بهذه الكلمات، وفيها سؤال وجواب، سلّم الربّ يسوع، “راعي الرعاة العظيم (1بطرس5: 4) مهمّة الرعاية لسمعان – بطرس، وقوامُها محبّةُ المسيح التي تتقدّم محبّة الآخرين، وخدمة النفوس التي افتداها بدمه، فصارت خرافه، وهو راعيها الأوّل والأسمى. واليوم في هذه الرسامة الأسقفيّة المقدّسة، تنتقل المهمّة الرسوليّة إليك، ايّها الأخ الجليل المطران عبدالله – الياس زيدان، المُنتخب راعياً لأبرشية سيدة لبنان – لوس أنجلس في الولايات المتحدة الأميركيّة، خلفًا لسيادة أخينا المطران روبرت شاهين، الذي يعتزّ بك ويسلّمك بكثير من المحبّة والثقة رعاية هذه الأبرشية التي أحبّها، وتفانى في خدمتها، وقد لقي فيك خير مساعدٍ مخلصٍ ومعطاء في خدمة كاتدرائية مار بطرس في لوس أنجلس وفي العديد من المجالس واللّجان.
إليك اليوم يوجّه رسميّاً الربُّ يسوع سؤاله: “يا عبدالله ابن الياس، أتحبُّني أكثر من هؤلاء؟” وأنت تعطيه الجواب من صميم قلبك: “نعم يا ربّ، أنت تعلمُ أنِّي أحبّك“، فيسلّم إلى محبَّتك الراعوية شعبَه في الأبرشيّة التي يقيمك الروح القدس راعياً لها، بل ولجميع النفوس التي تلتقيها. فتقول له بشعارك الرسمي: “لتكن مشيئتك”. إنّ الكنيسة المتمثّلة بالحاضرين هنا تصلِّي من أجلك إلى المسيح الربّ الذي، بفيضٍ من حبّه، دعاك بالأمس إلى الحياة المكرّسة والكهنوت في جمعيّة المرسلين اللُّبنانيين الموارنة، واليوم بفعل حبٍّ أكبر يدعوك إلى الخدمة الأسقفيّة، ويقيمك خادماً لمحبّته، بل مترئّساً على خدمتها في الأبرشيّة الموكولة إليك. نصلّي كلّنا لكي يفيض عليك روحه القدوس ليملأك قدرة على أن تحبَّ المسيح من دون حساب، وتتمّ مشيئة الله بكلّ تفانٍ وبذل ذات، مهما ثَقُل الصليب.
2. إنَّنا نرفع معك صلاة الشكر في هذه الإفخارستيا الإلهيّة لله الآب الذي ظلّلك دائماً بمحبّته، وللمسيح الابن الذي دعاك للسَّير على خطاه في طريق كمال المحبة، وللروح القدس الذي أنعش قلبك بمحبّة المسيح والكنيسة. إنّ سينودس أساقفة كنيستِنا المقدّس الذي قدّمك يبتهج بك اليوم، ويشكر معك قداسة البابا فرنسيس الذي اختارك أسقفاً لأبرشية سيدة لبنان لوس أنجلس، ومنحك الشّركة الكنسيّة، وضمّك إلى الجسم الأسقفي في الكنيسة الجامعة.
3. وفي المناسبة نصلّي من أجل نجاح مساعي قداسة البابا فرنسيس والكرسي الرسولي لإيقاف الحرب في سوريا، وإيجاد حلول سياسيّة سلميّة للنزاع القائم بين النظام والمعارضة. ونشكر الله على استجابة الصلوات التي رفعت من كلّ العالم السبت 7 ايلول الجاري، تلبية لدعوة البابا فرنسيس لتخصيصه يوم صلاة وصوم وتوبة من أجل السلام في سوريا وبلدان الشّرق الأوسط وفي العالم. ونرافق بالصلاة مساعي مجلس الأمن لتنفيذ القرار بشأن تفكيك ترسانة سوريا من الأسلحة الكيميائية، ولمباشرة إطلاق عمليّة العبور إلى عقد مؤتمر جنيف 2، في الشهر المقبل، بأمل إيجاد حلّ سلمي عادل وشامل ودائم للحرب في سوريا. وهكذا يتمكّن السوريّون النازحون من العودة إلى بيوتهم وأراضيهم، حيث يعيشون بكرامة وطمأنينة.
4. ونذكر معك كلّ الذين رافقوك وكان لهم فضلٌ عليك، بدءًا من البيت الوالدي، حيث تربَّيت مع الشقيقَين والشقيقات الخمس وأنت الثامن وأصغرهم، على الإيمان والأخلاق، على يد المرحوم الوالد الياس، والسيدة إيفيت والدتك الشيخة الجليلة. كما نذكر معك أبناء رعية القصيبه بلدتك، وجمعيّة المرسلين اللّبنانيين الموارنة، فالمدارس والجامعات التي زيّنتك بالعلم والشهادات العليا في الفلسفة واللاهوت والإدارة التربويّة، وصولاً إلى أبرشيّة سيدة لبنان لوس أنجلس والرعايا التي خدمتَها والمسؤوليّات الإدارية التي تولّيتها.
وتعبيراً عن عرفان الجميل للأهل، أردْتَ أن تتّخذ في الأسقفيّة اسم المرحوم والدك “الياس” واليوم ذكرى ميلاده، وللجمعية أن تكون رسامتُك الأسقفية هنا في بازيليك سيدة لبنان، التي يتولّى كهنة الجمعيّة خدمتها باسم البطريركية، وحيث قبِلْتَ درجة الكهنوت المقدّس منذ سبعٍ وعشرين سنة وأنت في الثالثة والعشرين من العمر.
ولا يسعنا إلّا أن نذكر بالصلاة والشّكر من كانوا لك مثالاً في حياتك المكرّسة والكهنوتيّة، عمّك الأب ساسين زيدان المرسل اللبناني والرئيس العام الأسبق، وعمّتك الأم أفدوكيا الرئيسة العامة الأسبق لجمعيّة الراهبات الأنطونيات، ونسيبَيك المرحوم الخوري الياس زيدان، فسيادة أخينا الجليل المطران كميل زيدان رئيس أساقفة انطلياس، هؤلاء الذين عرفناهم شخصيّاً، وقدّرنا صفاتهم الكهنوتية ومآثرهم.
5. وفيما نعيش فرحة هذه الرسامة الأسقفية، فإنّ في قلوبنا غصّة على السبعة والعشرين لبنانيّاً، من أصل خمسين، الذين غرقوا في بحر اندونيسيا، وهم في طريقهم إلى اوستراليا، بحثاً عن عمل وعيش كريم لا يتوفّران لهم، ويا للأسف، في وطنهم لبنان. نصلّي لراحة نفوس الضحايا، ونعزّي أهلهم وأهالي بلدتهم قبعيت في عكار العزيزة.
نأمل أن تمسّ المأساة هذه المرّة ضمائر أصحاب السلطة في لبنان وسائر المسؤولين السياسيّين، فيقوموا اليوم قبل الغد بواجبهم الوطني بتأليف حكومة جديدة، تُطلق النهضة الاقتصادية والإنمائيّة الشاملة ولاسيّما في عكار الجريحة التي تقدّم من خيرة أبنائها لمؤسسات الدولة، وتواجه آفة الفقر المتزايدة، وتوفّر
فرص العمل وتضع حدّاً لنزيف الهجرة المذلّة.
6. “أتحبُّني أكثر من هؤلاء؟” هذا السؤال موجّه إليك اليوم من المسيح، المخلِّص والفادي، وجوابك الإيجابي عليه، يبلغ كماله، إذ يقيمك الربّ في أبرشية سيدة لبنان لوس أنجلس رئيساً لخدمة محبّته، بين الكهنة والرهبان والراهبات وسائر المؤمنين والمؤمنات. ونحيِّي الوفد الذي يمثّلهم بيننا اليوم.
الرئيس، في مدرسة المسيح، هو الخادم الذي يتفانى ويبذل نفسه فدى عن الآخرين (راجع مر10: 44-45)؛ وهو الشريك في آلام الفداء الذي يشرب كأسها مع المسيح ويصطبغ بدمه (راجع مر10: 38)؛ وهو الراعي الصالح الذي يسير أمام شعبه كمثال له وقدوة، ويؤمِّن له الحياة الوافرة، بغذاء كلمة الله كمعلِّم، وغذاء نعمة الأسرار كوكيل، وبغذاء المحبة بعطية الروح القدس كمدبّر.
7. “إرعَ خرافي!” عندما استقبل قداسة البابا فرنسيس إخواننا الأساقفة الجُدد مع زملائهم في العالم في 19 ايلول الجاري، شرح معنى “رعاية الخراف” فقال: لقد دُعينا وأُقمنا رعاة، لا من أنفسنا بل بعمل الربّ؛ ولا لنرعى ذواتنا، بل النفوس الموكولة إلينا، ونخدمها حتى بذل الذات، على مثال المسيح، الراعي الصالح (راجع يوحنا10: 11). وحدّد البابا فرنسيس الرعاية بثلاث كلمات: قبول الخراف أي النفوس، والسَّير أمامها، والبقاء معها. إنّها عناية يوميّة مثلّثة الأبعاد (نور الأمم، 27).
أوّلاً، قبول النفوس الموكولة إليك، يعني استقبال كلّ واحد وواحدة من شعبك بقلب منفتح كبير، عندما يقرعون بابك، أو عندما تلتقيهم في نهارك وفي زياراتك الراعوية، أو في ممارسة خدمة التعليم والتّقديس والتّدبير. إنّك بذلك تختبر أبوّة الله وتشهد لها، وتدرك كيف أنّ الكنيسة أمٌّ حنون تستقبل دائماً وتحبّ.
وثانياً، السَّير مع شعبك بحيث تتقاسم مع المؤمنين والمؤمنات، وكلّ الذين يتوجّهون إليك، وفي مقدّمة الجميع كهنتك، تتقاسم معهم الأفراح والآمال، الصعوبات والآلام، كأخ وصديق، وبخاصّة كأب قادر على السماع والتفهّم والمساعدة والتوجيه. في هذا كلّه، أنت تقوم “بمهمّة المحبة“، كما يقول القدّيس اغسطينوس.
وتسير أمام شعبك كمثال له، تعيش بالقول والعمل ما تعلّم. وتسير وسط شعبك، فتلتزم بشدّ أواصر وحدته، وسماع رغباته، واكتشاف حاجاته. وتسير وراء شعبك لكي لا يضيّعَ أحدٌ طريقه أو تخور قواه فيه.
وثالثاً، البقاء مع شعبك في أبرشيّتك، جاعلاً من كرسيّك الأسقفي لا مجرّد إقامة، بل رباطاً روحيّاً بكلّ مؤمن ومؤمنة، وبالكهنة معاونيك إخوتك وأصدقائك؛ وعلامة رجاء وطمأنينة لأبناء أبرشيتك، ومكاناً دافئًا يشعر فيه الجميع بحرارة محبّة أسقفهم وسخائه وحسن استقباله وفرحه.
8. أيّها الأخُ الأسقف الجديد، الياس – عبدالله، لقد وهبك الله الكثير من المواهب والنعم لكي تعيش كلّ مقتضيات الخدمة الأسقفيّة. فظهرت مواهبك وروحك الكهنوتيّة في خدمتك الراعويّة المتنوّعة: بداية في مؤسّسات جمعيّة الآباء المرسلين في لبنان لمدّة سنتَين، ثمّ على مدى خمسٍ وعشرين سنة في الولايات المتّحدة الاميركية: في كاتدرائية سيدة لبنان في بروكلين/نيويورك، ومن بعدها في رعية مار جرجس سان انطونيو بتكساس ورسالتي دالاس وهيوستن، في عهد المثلّث الرحمة المطران فرنسيس الزايك الذي أخذتَ عنه فرح الخدمة الكهنوتيّة؛ وأخيراً في كاتدرائية القديس بطرس في لوس انجلس، مع المثلّث الرحمة المطران حنّا شديد، آخذًا عنه الدقّة والانضباط وحسن الإدارة، وتعاونت خير تعاون مع نائبه العام غريغوري منصور، الذي أصبح راعي أبرشية مار مارون – بروكلين. وها العناية الإلهية تجمعكما اليوم في خدمة الأبرشيّتَين الأميركيَّتَين. ووظّفْتَ مواهبك وروحك الكهنوتية في العديد من المجالس واللّجان والمسؤوليات الإدارية في أبرشيّة سيّدة لبنان لوس انجلس، بالإضافة إلى مهمتك كزائر على رسالات الجمعيّة في اميركا. هذه كلّها أهّلتك لتصبح اليوم راعياً لأبرشيّتنا فيها.
9. “لتكن مشيئتك”، بهذا الشعار – البرنامج، وبهذا الاستعداد الروحي والجهوزية، ضع اليوم كلَّ ذاتك بين يدَي المسيح، راعي الرعاة، وكُنْ بنعمته وبشفاعة أمّنا مريم العذراء، سيدة لبنان وسلطانة الرسل، “راعياً على حسب قلبه” (إرميا3: 15)، تجدّد له حبّك الكبير، وهو يودعك بثقةٍ رعايةَ خرافه، وليكن كلّ يوم من حياتك، تعيشه متمّماً مشيئة الله، نشيد شكر وتسبيح للآب والابن والروح القدس، آمين.