عظمة المحبة
علمنا القديس بولس في رسالتة الاولى للاهل كورنثوس ان للمحبة قدرة عظيمة هي محور كل التعاليم المسيحية وهي قوة لكل المواهب الروحية ، بدونها صلواتنا جميعها و بل حياتنا المسيحية تمثلية فارغة ، ووزناتنا ومواهبنا هي نوع من الاستعراضات والافتخار، فكل عمل مسيحي صالح وحقيقي مبني على المحبة .
فالحب يعني اتساع القلب ليحمل في داخله الله المحبة ( 1 يوحنا 4/8 ) ومن خلاله يحب كل انسان ، فيسموا فوق حدود العواطف والغرائز البشرية ، ويتنازل عن كبريائه لينحني ويغسل قدمي كل انسان بالمحبة المتواضعة ، ويقدم كل شئ لديه من أجل اخيه الانسان .
فالحب ليس استلطافًا بالغير ولا انسجامًا معه ولا اشباعًا ولا تعلقًا به، وإنما هو أسمى من هذا كله. إنه بذل وعطاء بكل إمكانية من أجل كل أحدٍ دون أن ينتظر نفعًا ماديًا أو جسمانيًا أو معنويًا، بل يحب من أجل اللَّه المحبة ذاته.
مادام اللَّه هو “محبة”، والآب والمسيح هما واحد (يو 30:10) يمكننا أن نضع كلمة “المسيح” هنا عوض كلمة “المحبة”. فالحب هو عمل المسيح فينا، وشركتنا معه في حياته . عمل المسيح الإيجابي فينا يشكّلنا لنتشبه به ونتبعه ونشاركه حياته. الحب الايجابي يولد بطول أناة وترفقًا ، وفرحًا بالحق ، واحتمالاً لكل شيء، وتصديق كل شيء، والرجاء في كل شيء، وديمومة بلا سقوط.
أما سلبيًا فالحب فيه الذاتية ، وممارسة شهوات الجسد والكبرياء ، والأنانية والغضب وظن السوء والفرح بالإثم.
الإنسان المؤمن الحقيقي هو الذى بالحق والحكمة يطبق في حياته تدبير محبة اللَّه الفاضلة، وحياة ربنا يسوع، ويلتصق به ويصير معه روحًا واحدًا. هذا هو الإنسان الجديد الذى تخلى عن الإنسان العتيق ولبس صورة المسيح (المحبة).
القديس أغسطينوس
كيف يقدر أن ينال كمال نقاوة القلب من لا ينفذ الوصايا التي يظهرها الرسول: “احملوا بعضكم أثقال بعضٍ وهكذا تّمموا ناموس المسيح” (غلا 2:6)، ومن ليس لديه فضيلة المحبة التي هي: “لا تُقبِح… ولا تحتدُّ… ولا تظنُّ السوءَ… وتحتمل كلَّ شيءٍ… وتصبر على كل شيءٍ” (1كو 4:13-7)؟! القديس يوحنا الذهبي الفم
حيث أن الحب الحقيقي هو أن نحب الكل، فإن عرف أحد أنه يبغض ولو شخصًا واحدًا يلزمه أن يسرع ويتقيأ هذه اللقمة المرة حتى يتهيأ لقبول عذوبة الحب نفسه.
سأل أخ شيخًا: إني أريد أن أستشهد من أجل اللَّه. فأجابه: “من احتمل أخاه في وقت الشدة، فذاك أصبح داخل أتون الثلاثة فتية”.
إن طول الروح هو صبر، والصبر هو الغلبة، والغلبة هي الحياة، والحياة هي الملكوت، والملكوت هو اللَّه.
البئر عميقة ولكن ماؤها طيب عذب…… الباب ضيق كرب، يؤدي للمدينة مملوءة فرحًا وسرورًا…… البرج شامخ حصين ولكن داخله كنوزًا جليلة.
صلاة القديس يوحنا ذهبي الفم(من وحي 1 كو 13)
* لأتشبه بك يا كلي الحب! بالحب ولدتني ابنًا لك، فأتشبه بك يا كلي الحب! كيف لي أن اقتدي بك ما لم أقتنيك، ويعمل روحك القدوس، روح الحب، فيّ؟ يرفعني إلى سمواتك فاختبر الحياة الجديدة، التي لغتها الحب، وقانونها الحب! روحك الساكن فيّ يهبني شركة الطبيعة الإلهية، فاستعذب الحب وأرفض كل ما لا يتناغم معه. يثمر في داخلي حبًا وفرحًا وسلامًا! تسبحك نفسي من أجل غنى مواهبك لي ولاخوتي. لكن بدون الحب لا ننتفع شيئًا، بل ونصير كلا شيء. ماذا انتفع إن تحدّثت مع كل إنسانٍ بلغته، بل ومع الملائكة بلسانهم، ما لم اقتن الحب في داخلي؟ بدونه يصير صوتي ضجيجًا مزعجًا، تنفر منه السماء والأرض.
* بك يا أيها الحب الأبدي لا أطلب صنع معجزات، بل بالإيمان أسألك أن تحرك جبال الكراهية، وتلقيها بعيدًا عني! بالحب أفتح مخازن قلبي بإخلاص لكل محتاجٍ، وبه اشتهي أن أبذل حياتي من أجلك متهللاً. بالحب أعرف كيف أتعبد لك، وأسلك مع اخوتي. لتسكن فيّ يا أيها الحب. فيهرب حسد إبليس من قلبي، مشتهيًا خلاص كل أحدٍ ونجاحه وغناه ومجده. أفرح به حين يسبقني إليك، ويتمتع بالبركات. بك أنطلق نحو الصف الأخير، فأجد سعادتي في التمتع بتواضعك ووداعتك.اشترك معك في صلبك متهللاً، واحتمل كل ألم بقلبٍ متسعٍ. بالحب اختفى فيك، فأترجّى شركة المجد معك. بالحب أرى الأبدية ليست ببعيدة عني. أذوق عربونها، واشتهي حلولها. نعم، متى تأتي يا أيها الحب على السحاب. أنطلق إليك، وقد صرت أيقونة لك. تبطل كل المواهب وكل علمٍ ومعرفةٍ. إذ أحيا بروح الكمال وأدرك أسرارك العجيبة.
* أتذكر حياتي هنا، فأرى نفسي إني كنت طفلاً، والآن بك أتمتع بنضوجٍ فائقٍ. ينتهي كل ما هو جزئي، لأتمتع بالنضوج والكمال. ينتهي حتى الإيمان والرجاء، ويبقى الحب أبديّا لن يسقط!
الاب / بيوس فرح ادمون
فرنسيسكان – مصر