فلننطلق للإجابة من “تكوين” الكتاب المقدس. الكتاب المقدس ليس كتابًا واحدًا، والكلمة اليونانية (ta biblia) التي ترتكز عليها الكلمة المعتمدة في لغات كثيرة (bible) تبين أن هذا الكتاب لم “يولد” كتابًا واحدًا. فإذا أردنا أن نكون دقيقين يُستحسن تسميته بالجمع: “الأسفار المقدسة”. على أي حال: إن الكنيسة هي التي اعترفت بقانونية الأسفار وأدرجتها في ما نعرفه الآن بالكتاب المقدس. وعليه فالكتاب المقدس منذ نشأته يعتمد على الكنيسة، ونشير هنا إلى ما يعرف بـ “القانون”، أي “المقياس” الذي اعتمد في تمييز أية كتب هي موحاة وأية كتب هي تقوية فقط أو حتى هرطوقية.
هذا وإن أصل الكتاب المقدس، الذي يبين اعتماده على الكنيسة، هو فقط جزء من المسألة. فليس فقط في أصله بل أيضًا في حياته، يعتمد الكتاب المقدس على مسيرة الجماعة الكنسية. ونجد تحريضًا في رسالة بطرس الثانية لعدم الركون لتفسير انفرادي للكتاب المقدس: “اعلموا قبل كل شيء أنه ما من نبوءة في الكتاب تقبل تفسيرا انفراديًا” (2 بط 1، 20). هناك موهبة ترافق الكنيسة في فهمها للكتاب وهذه الموهبة تنبع من طابع “الكثلكة” والمجمعية.
وقد أدرك جون هنري نيومان أن الكتاب المقدس هو ركيزة هامة في حياة الإيمان، إلا أنه لا يمكن أن يكون الركيزة الأولى، فقد صرح في كتاب كتبه قبيل ارتداده من الأنغليكانية إلى الكثلكة أن الإنسان “يدخل إلى الكتاب المقدس مع سؤال ويخرج منه مع ألف سؤال”. وبما أن الكتاب المقدس ليس مؤلف “سين وجيم” فهناك جهد كبير يتطلب من الإنسان تمييزًا كبيرًا في فهم رسالة الكتاب المقدس وتراتبية حقائقه (Hierarchia Veritatis)، وهي الكنيسة كأم ومعلمة من يقود الإنسان في فهمه وولوجه في روح الكتاب المقدس، ذلك الروح الذي يحيي بينما الحرف يقتل.