وتتميز روحانية سيمون فايل، التي تحاكي بعمقها كبار المتصوفين، بعيش خبرة الإيمان في حوار وإحساس خاص نحو من لم يلتق بالله بعد. وفي كتابها “انتظار الله” تتحدث عن خبرات روحية تسبق اللقاء “العلني” بالله. إنها خبرات لقاء بالله قبل اعتلان الله.
تعدد فايل أربع من هذه الخبرات، وهي بمثابة عيش “علماني” للحب كفضيلة لاهوتية. سيمون فايل مقتنعة بأن هناك فرق كبير بين حب الله قبل اعتلانه، وحب الله بعد اعتلانه، بين الحب “من أجل حب الله” وبين الحب “في حب الله”. أما الوجوه الأربعة لهذا الحب السابق لاعتلان الله فهي – بحسب الفيلسوفة: حب القريب، حب الخليقة، حب الممارسة الدينية وحب الصداقة.
سنركز في هذه المقالة على البعد الأول.
حب القريب
إن كل شكل من أشكال الحب هو “سر” إلى حد ما (السر ليس الغموض، بل البعد الأسراري – sacramentum). وفي حديثها عن حبنا للآخر، للقريب، تشير فايل إلى أن الآخر لا يجب أن يكون وسيلة لغاية يصبو إليها المُحسِن، بل يجب أن يكون فعل حبنا نحوه فعل إخلاء ذات، لنفسح المجال للآخر لكي يكون، ولو للحظة، غاية!
في حب من هذا النوع، نعيد إلى الآخر كرامته كآخر، كشخص، في عالم حرمه من هذا الشعور ومن هذا الحق. فالفقر والقلة – كما يذكرنا البابا فرنسيس في حديثه إلى العمال – يحرمان الإنسان من كرامته المشروعة.
وتكتب سيمون فايل عن الخبرة التي يولدها هذا الحب المجاني والخالي من الغائية فتقول: “من يعود إلى حالة الإنسانية ولو للحظات، بعد أن كانت الحياة قد عرته من كيانه هذا وجعلته شيئًا بين الأشياء ورقمًا بين الأرقام، يستطيع في هذه اللحظة أن يحدس عطر هذا السخاء؛ في تلك اللحظة، يكتشف نفسه كنفسٍ باتت خاصة المحبة. يولد من العلاء، من الماء والروح… إن محبة الآخر لأجل ذاته هو إلى حد ما نوع من التعميد”.
وعليه، في خبرة المحبة المجانية الخالية من الغائية، نعيش خبرة روحية وفائقة الطبيعة. إنها بادرة تشبه التواضع وإخلاء الذات الإلهي لأننا – ولو للحظة – ننسى ذواتنا ونفسح المجال للآخر، الذي لن نحصل منه على مصلحة أو مال أو جاه.
في هذه الخبرة الله موجود، لأنه “حيث يُحب البائسون لأجل ذواتهم، الله يكون هناك”.