"انت مسيحي فلا بدّ من أن تكون مريمي"

مقابلة مع الأباتي سمعان أبو عبدو المريمي استعدادًا لتكرسي العالم للعذراء مريم، سيدة فاطيما

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

يفصلنا يومان فقط عن حدث كنسي هام وفريد. فنهار الأحد 13 تشرين الأول الجاري، سيقوم البابا فرنسيس بتكريس العالم بأسره لمريم العذراء سيدة فاطيما. لمواكبة هذا الحدث ولإدراك أبعاده اللاهوتية الهامة قررنا أن نغتني ونغني صفحتنا بلقاء من الأباتي سمعان أبو عبدو المريمي.

الأباتي سمعان أبو عبدو هو رئيس عام سابق للرهبانية المارونية المريمية، حالياً أستاذ في جامعة  الحكمة بيروت  (معهد يوحنا بولس الثاني – فرع بيروت)، منسق مكتب راعوية الزواج والعائلة في الدائرة البطريركية الماروني – بكركي، ونائب معاون في رعية مار جرجس والصعود – الضبية.

* * *

في الثالث عشر من الجاري سيقوم البابا فرنسيس بتكريس العالم للكلية الطوبى مريم البتول، عذراء فاطيما. هناك بالطبع بعد تقوي لهذا الحدث. ولكن ما هو البعد اللاهوتي؟

الأباتي سمعان أبو عبدو: تكريس العالم للكلية الطوبى مريم البتول، عذراء فاطيما، لهو حدث مميز يأتي في سنة الإيمان هذه. لقد كرّس الطوباوي البابا يوحنا بولس الثاني في 25 آذار 1984 العالم إلى قلب مريم الطاهر. في الثالث عشر من الجاري سينظر العالم، مع البابا فرنسيس، الى مريم القديسة، سيصلي ويتضرع، سيتلو المسبحة الوردية. ستقودنا الأم السماوية إلى ابنها يسوع المسيح المخلص الحقيقي للإنسان والعالم. هي والدة الإله لأنّ المولود منها هو الله. “فلمّ تمّ الزمان، أرسل الله ابنه مولوداً من امرأة” (غلاطية 4/4). هي التي حفظت في قلبها سر الأمومة الإلهية، كانت أول من رأى وجه الله الذي صار بشراً في أحشائها.

أول وجه يراه المولود هو وجه الأم، كأني بها تطلب رقّة الله المتجسدة في الابن الذي تحمله بين ذراعيها، لمن يتأملها. هذه النظرة هي أساسية لعلاقة الإنسان مع الحياة، مع ذاته، مع الآخرين، ومع الله. هي علامة محبة الله لنا التي دفعته ليهب ابنه الوحيد. من خلال هذا التكرس يظهر أيضاً في مريم، وجه الكنيسة، الذي يعكس نور المسيح علينا وعلى العالم كلّه. فعل التكريس هذا هو تكرّس لله بواسطة مريم ومعها وعلى مثالها، مريم العذراء تعلمنا أن نقول نعم لمشروع الله في حياتنا، “أنا أمة الربّ، فليكن لي بحسب قولك” (لو1/38). فهي القدوة والمثال في الإيمان والمحبة.

هل هناك مبادرات في لبنان لمرافقة هذا الحدث؟ وهل تقومون بمبادرة خاصة في الرعية (أو المؤسسات) التي ترعاها؟

الأباتي سمعان أبو عبدو: كل لبنان يستعدّ بالصلاة لهذا التكرس، من خلال الرعايا والأخويات والعائلات وحركات الشبيبة التي تحمل اسم مريم العذراء، إستعداد روحي بالإشتراك بالذبيحة الإلهية، تلاوة المسبحة الوردية، الإعتراف، زيارة المزرات المريمية، أمسيات تأملات وصلوات مريمية.  فالمؤمن المسيحي في لبنان يرى في هذا التكرس لمريم العذراء فعل عبادة ليسوع المسيح مع الأم السماوية والدة الإله.

قلة من قراء زينيت في العالم يعرفون عن أنه تم مؤخرًا تكريس كل لبنان لمريم العذراء. هلا حدثتنا عن هذه المبادرة وعن وقعها في مختلف طوائف المجتمع اللبناني؟

الأباتي سمعان أبو عبدو: في السادس عشر من حزيران يونيو الماضي 2013 كرّس صاحب الغبطة والنيافة الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي بطريرك انطاكيا وسائر المشرق الكلي الطوبى مع السادة المطارنة، لبنان والشرق لقلب مريم الطاهر معلنين من معبد سيدة لبنان في حاريصا، تحقيقاً لِمَا أراده البابا بندكتس السادس عشر في تكريس لبنان والشرق بعائلاته،بأهله وجيرانه، بمؤمنيه وإكليروسه، برهبانه وراهباته، بأطفاله وشيوخه ونسائه، يعلنون تكريسهم للملكة، للسيدة، للقديسة، لقلبها الطاهر، وما القلب إلا علامة الحقيقة والحياة، فهي التي أحبّت بقلبها، وأعلنت حقيقة رسالتها، أنْ صلّوا ورديّتي، توبوا، كي يبطل الرب هلاك الأرض، إنها السيدة التي قال عنها البابا بندكتس السادس عشر، مريم، نعم ملكة أكثر من أي مخلوق آخر بسبب سموّ نفسها، والعطايا المميزة التي حظيت بها، وهي لم تتوقف قط في تقديم كل كنوز حبها وحنانها للبشرية، وملوكيتها علامة العلاقة الوثيقة بين تمجيدها بجسدها وروحها إلى جانب ابنها، وهذا ما جعلها الرب لملكه العالمي حتى تكون أكثر متشابهة لابنها (نور الأمم؛ 59).

فبين لبنان ومريم تاريخ عمره ألفا عام، فهي التي تردّدت مع إبنها إلى نواحي صور وصيدا وانتظرته هناك. هذا الحدث لقي تجاوبا من المسحيين والمسلمين، كما تبيّن من الحضور في يوم التكريس. يدرك كلّ اللبنانيين على تنوعهم أبعاد هذا التكرس، فهم يتوحدّون في معبد العذراء وفي العديد من الكنائس في لبنان. وإذا زرت مثلاً مزار سيدة لبنان بالقرب من جونية ستلتقي بالكثير من إخواننا المسلمين يأتون للصلاة والتضرع والتأمل. ربما لأنهم يشعرون أن مريم العذراء هي أم الجميع.  سيبقى السادس عشر من حزيران 2013 يوم تاريخي مميز للبنان، أُعلِن فيه أنّ كلّ اللبنانين هم مريميون.

نعرف تقوى الشعب اللبناني نحو مريم العذراء، وقد اعتبرتم مريم من بين “عوامل الوحدة” بين المسيحيين والمسلمين وذلك خلال مداخلتكم في سينودس الأساقفة الخاص من أجل الشرق الأوسط. كيف يكون ذلك؟

الأباتي سمعان أبو عبدو: نعم، خلال مداخلتي في سينودس الأساقفة الخاص من أجل الشرق الأوسط والذي انعقد في روما، ركزت على عوامل الوحدة التي تجمع اللبنانيين مسلمين ومسحيين، وكنت يومها أريد أن ابرهن للجميع أن لبنان والشرق الأوسط ميزته بتنوع طوائفه، ويجب أن يكو
ن هذا التنوع  نعمة وغنى للجميع، ولكي نحافظ على هذا التعايش يجب أن نظهر كل المبادرات الإيجابية والمشجعة للعيس معا بسلام بعيدا عن العنف والكفير ونبذ الآخر المختلف.

من بين عوامل الوحدة المهمة التي تجمعنا في مكان ما، هي السيدة العذراء، هي أم المصالحة والوحدة ومثال الأمومة، فالقرآن الكريم يأتي على ذكرها في عدة آيات وسور(سورة مريم، سورة آل عمران) فهي أشرف نساء العالمين، ونجد هناك إكرام مميز للسيدة العذراء من قبل المسلمين. إذا، مريم العذراء هي  شخصية الوحدة بإمتياز، هي التي تجمعنا كأم(كل حسب معتقده) دون تمييز، كأبناء لها. لهذا السبب كان العيد الوطني في لبنان 25 آذار لكل اللبنانيين، فهو مطلب لبناني مسيحي إسلامي.

كل ذلك ينبع أيضاً من خبرتي مع جمعية “أبناء مريم ملكة السلام” تتألف من محامين إسلام ومسيحيين يريدون عيش روحانية مريم من خلال القران والإنجيل، كل حسب معتقده دون تغير في الدين، ونشرهذه الرسالة الى الجميع، وجعل مريم العذرا، القاسم المشترك وعنصر الوحدة بين كل اللبنانيين، لقد تبنيتُ هذه الجمعية المميزة عندما كنت رئيساعاما للرهبانية المارونية المريمية من خلال بروتوكول وتعيين مرشد من الرهبان المريميين عليها، وهي ما تزال تعمل حتى الآن. وما زلت أواكب عملها وأتطلع على نشاطاتها وأدعمها، لنعمل معا على العيش معا من خلال شخصية أمنا مريم.  

الحديث عن عذراء فاطيما وتكريس العالم لمريم يفتح الباب أمام فهم دور وجوهر التقوى المريمية. نعرف أن هذه التقوى تجمعنا بالأرثوذكس وتفصلنا عن الكثير من البروتستانت. كيف يمكن إيصال معنى التقوى المريمية إلى أخ بروتستانتي، كي لا تكون مريم “عامل فصل” بيننا؟

الأباتي سمعان أبو عبدو: إن التقوى المريمية تجمع في لبنان كل المسيحيين موارنة وروم كاثوليك وأرثوذكس وكأني بهم أخوة في عائلة والأم مريم العذراء والدة الإله.

مريم العذراء يجب أن تكون للجميع الأم السماوية، ولكن في التقوى المريمية يجب الإبتعاد عن المغالات المضادة للحقيقة، وأن لا ننسى أن مريم العذراء تقودنا إلى إبنها يسوع المسيح مخلص العالم وينبوع الحقيقة الكاملة، والقداسة والتقوى. وأن نعود مع إخواننا البروتستانت إلى حقيقة الإنجيل، وهناك من بينهم من يقدم التكريم الواجب لإم الرب المخلص.

مريم العذراء، أم الكنيسة، نجمة الصبح، هي التي تنبؤنا بفجر جديد، وأنجلة جديدة،.

انت مسيحي فلا بدّ من أن تكون مريمي.

أنت لبناني  فلا بدّ أيضا من أن تكون مريمي.

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير