أشار البابا إلى أن الله يفاجئنا؛ ففي الفقر والضعف والتواضع يعطينا محبته التي تخلصنا وتشفينا وتهبنا القوة، ويطلب منا فقط أن نتبع كلمته ونتكل عليه، وأضاف قائلا: هذا هو اختبار مريم العذراء: فأمام بشارة الملاك، لم تُخف تعجّبها. فقد اختارها الله، هي فتاة الناصرة البسيطة التي لا تعيش في قصور السلطة والغنى ولكنها عرفت الاتكال على الله وقالت “أنا أمةُ الرب فليكن لي بحسب قولك”. وأضاف البابا فرنسيس أن الله يفاجئنا دائما ويبدل مشاريعنا ويقول لنا: اتكل علي، لا تخف، أخرج من ذاتك واتبعني! والآن لنتساءل جميعا إذا كنا نخاف مما قد يطلبه الله منا أو ما يطلبه منا.
توقف بعدها البابا عند كلمات القديس بولس الرسول في رسالته لتلميذه طيموتاوس “اذكر يسوع المسيح.. إذا صبرنا ملكنا معه”، وأشار هكذا إلى النقطة الثانية في عظته، ألا وهي أن نتذكّر المسيح دائما، ونثابر على الإيمان؛ فالله يفاجئنا بمحبته ولكنه يطلب منا الأمانة في إتباعه، وقال البابا: لنفكر كم مرة تحمّسنا لشيء ما، لمبادرة ما، ولكننا استسلمنا أمام أولى المشاكل. وهذا يحصل وللأسف أيضا في الخيارات الجوهرية، كالزواج مثلا. الصعوبة في أن نكون أمناء للقرارات المُتخذة. فمن السهل غالبا أن نقول “نعم”، ولكن لا نتمكن من تكرار هذه النعم كل يوم.
وتابع البابا فرنسيس عظته قائلا إن مريم قالت “نعم” للرب. “نعم” بدلت حياتها ولم تكن الأخيرة إذا قالت “نعم” مرات كثيرة عرفت ذروتها في “النعم” عند الصليب. وإذ أشار لثقافة المؤقت والنسبية، قال الحبر الأعظم إن الله يدعونا لنكون أمناء له كل يوم، وإن لم نكن أمناء في بعض المرات، فهو أمين على الدوام، ولا يتعب من خلال رحمته من أن يمد لنا يده ليشجعنا على السير مجددا والعودة إليه والإعلان عن ضعفنا فيهبنا قوته.
وانتقل البابا بعدها ليتحدث عن النقطة الثالثة في عظته: الله قوتنا، وتوقف عند إنجيل هذا الأحد بحسب القديس لوقا حول شفاء يسوع عشرة برص: “توقفوا عن بعد ورفعوا صوتهم قالوا “رُحماك يا يسوع أيها المعلم!” وقال الحبر الأعظم: إن واحدا منهم فقط رجع وهو يمجد الله بأعلى صوته، وقد انتبه يسوع لذلك، فقد صرخ العشرة طالبين الشفاء، لكن واحدا فقط قد عاد ليمجد الله بأعلى صوته، ويعترف بأن الله قوتنا.
ولفت البابا فرنسيس لأهمية أن نشكر الرب ونمجده، وقال: لننظر إلى مريم، فبعد البشارة، قامت فورا بعمل محبة إزاء نسبيتها أليصابات، وكانت كلماتها الأولى: “تعظّم نفسي الرب”، نشيد شكر وتسبيح لله. وتابع الحبر الأعظم قائلا: كم مرة نقول كلمة شكر في العائلة؟ كم مرة نشكر من يساعدنا أو يكون قريبا منا؟ وفي ختام عظته، احتفالا باليوم المريمي طلب البابا فرنسيس شفاعة مريم العذراء كي تساعدنا لنكون كل يوم أمناء لله ونسبحه ونشكره، لأنه قوتنا.
وفي ختام القداس الإلهي في ساحة القديس بطرس، تلا البابا فرنسيس فعل التكريس لعذراء فاطيما سائلا إياها أن تحمي حياتنا بين ذراعيها وتنعش الإيمان وتغذيه، وتنير الرجاء وتقودنا جميعا في مسيرة القداسة، وتعلمنا محبتها إزاء الصغار والفقراء والمتألمين والخطأة وتجمع الكل في ظل حمايتها.
وفي كلمته قبل تلاوة صلاة التبشير الملائكي أشار البابا فرنسيس للاحتفال هذا الأحد في تيراغونا بإسبانيا بتطويب زهاء خمسمائة شهيد، قُتلوا بسبب إيمانهم خلال الحرب الأهلية الإسبانية خلال ثلاثينيات القرن الماضي. كما وشكر جميع القادمين من روما وإيطاليا ومختلف إنحاء العالم للمشاركة في احتفال الإيمان المكرس لمريم أمنا.