لا يجوز استعمال أيّ ديانة كعذر من أجل القتل والإعتداء على حقوق الإنسان. يجب أن تبنى الحرية الدينية على هذا الأساس، ومن هذا المنطلق، ان المسيحيين هم المجموعة الأكثر تضرّراً: حواليّ 300000 شخص في العالم هم ضحيّة اضطهاد وتمييز وحواليّ الـ%75 من هؤلاء المضطهدين بسبب الدين هم مسيحيين.
لقد عولج هذا الموضوع خلال أوّل طاولة مستديرة في الحلقة الختامية للأيام الاحتفالية بالعيد الـ50 لصدور رسالة البابا يوحنا الثالث والعشرين السلام على الأرض.
وبعد مقدمة الكاردينال بيتر كودو أبيا توركسون، رئيس المجلس الحبري عدالة وسلام، في فندق باشيس في روما، حصلت مداخلات للكاردينال جان لويس توران، رئيس المجلس الحبري للحوار بين الأديان، للمونسينيور ميشيل فيتسجيرالد، السفير الرسولي السابق في مصر، وبول باهتي، الوزير السابق للتنسيق الوطني في الباكستان.
هذا الأخير هو شقيق شهباز باهتي، الذي اغتيل في 2 آذار 2011 على يدّ متطرفين اسلاميين، لأنه لم يخف يوماً إيمانه الكاثوليكي.
وإذ شرح وضع الحريّة الدينيّة في بلاده، قال باهتي كيف ان هذا الحقّ (على خلاف ما يوجد في المملكة العربيّة السعوديّة، على سبيل المثال) معترف به من قبل النظام وحتى القانون الشهير حول التجديف، لم يحكم على أحد بالموت.
يشكّل المتطرفون والأصوليون المشكلة الحقيقيّة، إذ انهم يشنون حملات حقد ضدّ المسيحيين، متهمين إياهم، غالباً بشكل سخيف، بالتجديف. ان التعصّب يتحوّل بكثير من الأوقات إلى اعتداء جسدي وقتل.
طرحت زينيت، على هامش هذا المؤتمر، بعض الأسئلة على بول باهتي حول أحد أهمّ المواضيع التي تتعلق بمستقبل الإنسانية والسلام في العالم.
دوكتور باهتي، لأي سبب، برأيك، لم تعد الوسائل الدبلوماسية كافية لزرع السلام في العالم ولكن هناك دائماً حاجة لأخذ العامل الديني بعين الإعتبار؟
بول باهتي: عندما نتحدث عن العنف وعن الإرهاب غالباً ما يؤخذ الدين كعذر. ولكن لا تعطي أيّة ديانة الحقّ بقتل شخص آخر باسم الله، لذلك يجب أن نتشارك بهذه الفكرة مع الذين يحبون إيمانهم ويحافظون عليه. لا تشترط الديانة المسيحية كثيراً على ارتداد الغير مسيحيين، حيث ان الشهادة للمسيح هي نمط حياة في خدمة الآخرين، الإنسانية والحب الذي يُنقل كإيمان دينيّ. للديانات الأخرى كالإسلام قيّم انسانية مهمة جدّاً: إذا كان أحدّ يشجّع هذه القيم فلا يمكن الا أن يشجب أعمال العنف التي تحتمي باسم الدين.
هل تعتقد ان نداء البابا فرنسيس للصلاة والصوم من أجل السلام في سوريا وفي العالم كله هو وسيلة فعّالة؟
بول باهتي: اعتقد بأن نداء البابا استثنائيّ! فقط عبر الصلاة والحوار يمكن المضيّ قدماً. عندما تحدث عن السلام لسوريا، ذكّر بأن حرب تستدعي حروب أخرى، هكذا لن ننتهي أبداً… ولكن الحوار، على المستوى الدبلوماسي، يجب أن يتحلّى بالقوّة لحلّ الأزمات الإنسانية العالميّة والعنف. أمّا الفشل، فيعني بأنه لم يتمّ بأخذ الإعتبار الحقائق، أو بأن الحوار لم يشمل الأشخاص المناسبين لخلق الفرق. كل موقف يجب أن يعالج، عبر قدرة معيّنة فكرية ، دينيةّ، من قبل أشخاص ذات تأثير معيّن. إذا كان هناك مظاهرات في الباكستان من قبل متطرفين، لا فرق إذا أتصلت أنا بعالم أو كاهن يتحدثون بشكل جيّد عن الإسلام، لأن هؤلاء المتظاهرين مقتنعين مسبقاً بالشرّ. بينما، يجب أن نتشارك بآرائنا مع الأشخاص الذين يمكنهم التأثير على صانعي العنف. وان فشل الحوار بين الأديان بعض الأحيان يحدث لأننا لا نشرك معنا من يفكر بشكل مختلف.
انت عشت في إيطاليا وتعلم جيداً كيف هي الثقافة الغربية: هل حقّاً هناك حريّة دينيّة في أوروبا؟
بول باهتي: انا اعتقد بأن الغرب، ومع تقدمه الديمقراطيّ، يجب أن يكون قد اكتسب مفهوم الحرية الدينية (بالإضافة إلى حقّ عدم اتباع أي دين)، كأساس لحقوق الإنسان. ولكن إذا دخلت مجموعات متطرفة ومتعصّبة، حتى ذات طابع ارهابيّ، سيشكل هذا الأمر في يوم من الأيام مشكلة لإيطاليا وللغرب عموماً، ولذلك يجب إيجاد طريقة لردع هذا النوع من الخطر.
تعمّ اوروبا ظاهرة العلمانية، بشكل مختلف عن آسيا، وتبدأ ظواهر قليلة لما يسمى بكره المسيحية: ففي فرنسا يتمّ تهديم الكنائس، وفي ايرلندا تمّ ادخال حصص من الإلحاد في المدارس، كما كان يجري في الإتحاد السوفيتي فيما مضى…
بول باهتي: لا يجوز لأية حكومة أن تفرض موضوع كالإيمان. يجب أن تقدّم الثقافة العالمية في المدارس، وتترك شؤون الإيمان للأهل حتى يعالجونها، عندما لا يزال الأطفال قاصرين. أمّا الحكومة فعليها تأمين الثقافة العالمية التي تسمح للفرد بإتمام خياراته في المستقبل.
كيف تعيش التزامك الكاثوليكيّ في السياسة؟
بول باهتي: ان موضوع الالتزام الكاثوليكي في السياسة تمت معالجته من قبل يوحنا بولس الثاني الذي ذكّر بأن السياسة هي شكل من أشكال العناية بالآخرين، بالأخص بالأكثر ضعفاً: اذا كان هذا هو المفهوم، فأهلاً وسهلاً! وإذا كانت الأمور على هذا النحو، فعلى كل مسيحي أن يعمل بالسياسة.
اليوم يختتم المؤتمر بمناسبة مرور 50 عام على اصدار الإرشاد الرسولي”سلام في الأرض”: إلى أي حدّ هو واقعيّ هذا الإرشاد الرسولي؟
بول باهتي: يواجه العالم تحديات كثيرة تؤثر عليه بأكمله. إذا الحديث اليوم عن السلام على الأرض هي حاجة حقيقية تجبرنا باتخاذ خطوات ملموسة.
***
نقلته إلى العربية ما
ري يعقوب – وكالة زينيت العالمية.