ماذا نجد في العهد القديم، إذًا؟
نجد إشارات كثيرة يمكننا فهمها على ضوء وحي العهد الجديد، تبين عن أن وحدة ووحدانية الله ليست وحشة وعزلة. إن المبدأ التفسيري الذي يتحدث عنه القديس أغسطينوس لَهُو ذو أهمية كبيرة هنا. يقول القديس: “الجديد يختبئ في القديم، والقديم يتضح في الجديد”. أي أنه يمكننا أن نفهم العهد القديم على ضوء العهد الجديد وأن العهد الجديد هو حاضر ولكن بشكل خفي في العهد القديم.
يضيق بنا الوقت لتبيان مختلف الآيات والمواضع التي يظهر فيها هذا في العهد القديم، ولذا سنشير إلى بعض المواضع الهامة وبشكل خاص في سفر التكوين.
إذا ما نظرنا إلى الصفحة الأولى من الكتاب المقدس، أي الفصل الأول من سفر التكوين. نجد “روح الله” الذي يرفرف على المياه. ونجد الله الخالق، الذي يخلق بـ “الكلمة”. على ضوء العهد الجديد، نرى تلميحًا إلى الثالوث الأقدس.
وفي الآية 26-27 من الفصل عينه نجد الله يتحدث عن خلق الإنسان على صورته ومثاله، ويتحدث بالجمع. بالطبع قد يكون ذلك جمع العظمة، ولكن بحسب تفسير آباء الكنيسة، هناك من رأى في ذلك حوار بين الآب والابن. هذا ويأتي الخلق على صورة الله “جمعًا” و “شركة حياة” لا فردًا منعزلاً ومنطويًا على وحدانيته، فالإنسان يُخلق “رجلاً وامرأة”. وقد شرح البابا يوحنا بولس الثاني هذا الربط كإشارة إلى كيان الله الثالوثي. في علاقة الرجل والمرأة هناك صورة للثالوث الأقدس: الرجل، المرأة والحب الذي يجمعهما.
في الفصل 18 من سفر التكوين نجد نصًا غامضًا فالله يتجلى لإبراهيم عند بلوطة ممرا، ونرى أن إبراهيم يرى حينًا كيانًا واحدًا، وحينًا أخرى ثلاثة أشخاص. ويتوجه إليه حينًا بالمفرد، وحينًا آخر بالجمع. هذا الفصل كان ذي أهمية كبيرة، ليست فقط في لاهوت الآباء الثالوثي، بل أيضًا في فن الأيقونة. لدينا أيقونات ثالوثية هامة جدًا استوحت هذا النص، أهمها أيقونة الثالوث الروسية لأندري روبليف.
هذا وهناك نصوص كثيرة، خصوصًا النصوص الحكمية التي تتحدث عن الله الذي هو من الأزل مع “حكمته”، مع “كلمته”، مع “روحه”، إلخ.
بالطبع، إن تدريجية الوحي ستنتظر العهد الجديد، ليس فقط للإعلان الواضح عن الثالوث الأقدس، بل أيضًا لتسليط الضوء على نصوص العهد القديم التي تتضمن دلالات ثالوثية بات ممكنًا إدراكها بفضل نور تعليم المسيح.