1. يا ربّ، نحن نلتقي اليوم باسمك، تحت أنوار روحك القدوس، وحماية أمِّنا مريم العذراء سيّدة لبنان، باسم جميع مسيحيِّي الشَّرق. فباركْ لقاءَنا وألهِمْنا العمل لكي يحافظ المسيحيّون على وجودهم الفاعل في بلدان الشّرق الأوسط، ويواصلوا بناء الشّركة فيما بينهم، وإداء شهادتهم لمحبة مسيحك في مجتمعاتهم تجاه كلّ إنسان وشعب على تنوّع الانتماءات. وبدالّة الأبناء نهتف إليك: “أبانا الذي في السماوات…” (تتلوها الجماعة).
2. لقد رسمْتَ لنا يا ربّ، بعنايتك الفائقة، خريطة الطريق في الإرشادَين الرسوليَّين: “رجاء جديد للبنان” للطوباوي البابا يوحنا بولس الثاني، و”الكنيسة في الشَّرق الأوسط: شركة وشهادة” الذي سلّمنا إيّاه منذ عام قداسة البابا بندكتوس السادس عشر. واليوم تدعونا، بلسان قداسة البابا فرنسيس، لبناء السلام في القلوب أوّلاً ثمّ بين المُتخاصمين والمُتنازعين بالتلاقي والحوار والمفاوضات على أُسس من الحقيقة والعدالة، نابذين بإدانة شديدة الحرب والعنف والإرهاب. فأنت يا رب، تركت لنا الوصية الآمرة: “لا تقتل” و”أحبب قريبك مثل نفسك” (متى 22: 39).
3. إنّنا ندرك مدى الصعوبات والمحن والتحدّيات. لكنّك تجدِّدُ لنا الضمانة لمواجهتها بصبر ورجاء، وللتغلّب عليها بقوّة إنجيل السلام وصليب الفداء وبروح المحبة المسكوبة في قلوبنا. والضمانة هي أنتَ، أيّها المسيح الإله، فتقولها لجميع مسيحيِّي الشّرق: “سيكون لكم في العالم ضيق. لكن تقوَّوا أنا غلبتُ العالم” (يو16: 33).
4. في الإرشاد الرسولي “رجاء جديد للبنان” يدعونا روحك القدوس للانفتاح الدائم على الحوار والتعاون مع المسلمين في لبنان وسائر البلدان العربيّة. ذلك أن مصيراً واحداً يربط بيننا وبين المسلمين، وثقافة خاصّة بنيناها معاً على مدى ألفوأربعماية سنة، وهي تحمل الطابع الذي رفدته به حضاراتنا المتنوّعة والمتعاقبة، على مختلف الأصعدة الدينيّة والأخلاقيّة والثقافيّة والفنّية (الفقرة 93). إنّنا فخورون بتراثنا، يا ربّ، فساعدْنا بنعمتك لنحافظ عليه، ونربّي الضمائر على نبذ الحرب والعنف، واعتماد لغة الحوار والتلاقي بدلاً من السلاح. وهكذا نساهم في بناء السلام الحقيقي الذي وهبتَه للعالم، سلام الحقيقة والعدالة، سلام المحبة والحرّية، سلام حقوق الإنسان وكرامة الشخص البشري وقُدسيّته. إنّه سلامُ إنجيلكالداعي إلى تحرير كلّ إنسان وشعب من القيود التي تُفقده حرية أبناء الله، ولاسيّما حرية الرأي والتعبير وحرية العبادة والمعتقد وفقاً لخيارات العقل المستنير بالحقيقة المطلقة، ولخيارات الضمير المُصغي للتعليم الإلهي ولشريعة الله ووصاياه.
5. في قلب النزاع السياسي – المذهبي الدَّائر في المنطقة، الذي أدَّى إلى العنف والحرب، أنتَ تدعونا يا ربّ، لنكون صانعي سلام (متى 5: 9).نحن ندرك أن السلام الدائم والكامل لا يأتي إلّا منك يا الله. إنّه سلام المسيح الذي أعطي لنا: “سلامي أعطيكم، سلامي استودعكم”(يو14: 27). ولكن من واجبنا ان نعمل من أجل إحلال العدالة وتحقيق التنمية وإجراء المصالحة وتعزيز الوفاق. وتعلِّمُنا، أنتَ يا “أميرَ السلام” (أشعيا 9: 5)، أن “القيامَ بمبادرات سلامٍ لكفيلٌ بأن يجرِّد الخصم من سلاحه الذي يقتل ويدمّر، وغالباً ما يحملُ الخصمَ على التجاوب بإيجاب وباليد الممدودة، لأنّ السلامَ يبقى للجميع الخيرَ الأسمى. يذكّرنا تاريخنا المسيحي أنّ قدّيسين كثيرين كانوا ينبوع المصالحة بمواقفهم المسالمة، المرتكزة على الصلاة وعلى الاقتداء بسلامك أيّها المسيح (الفقرة 98).
6. إنّنا، بروح السلام والتضامن الاجتماعي والنشاط الإنمائي، وتربية الضمائر، وبتعزيز مؤسّساتنا التربويّة والاستشفائيّة والإنسانيّة، نعمل بالاتّكال على قدرة عنايتك يا ربّ، من أجل أن نحافظ على وجودنا المسيحي في بلدان الشّرق الأوسط، منذ ألفي سنة، متصدِّين لنزيف الهجرة، بهدف أن نكون فيها مساهمين في قيام مؤسّسات أوطاننا وطبعها بالقيم الإنجيلية، ولاعبين دورنا في الحياة العامّة بروح التجرّد من المصالح الخاصّة والفئوية، والالتزام بتوفير الخير العام الذي منه خير الجميع وخير كلّ إنسان. وإنّنا بذلك نواصل عمل الآباء والأجداد كروّاد للنهضة العلميّة والاجتماعيّة والثقافيّة، ولنهضة الإنماء الاقتصادي وترقِّي شعوبنا ومجتمعاتنا.
7. لقد اخترت يا رب، بسرّ تدبيرك، أرض الشرق الأوسط لكي تتجسّد عليها وتحقق فيها سرّ الخلاص، وترفع صليب الفداء. وهكذا اتّحدتَ نوعاً ما مع كلّ إنسان. نحن نؤمن أنّ هذا الشرق الأوسط هو مكان “تجسّدنا”، لقد أردته لنا لكي نساهم في تحقيق مشروعك الخلاصي، أيّها الإله. إنّنا نتمسّك بوجودنا في بلداننا المشرقيّة، لأنّها مكان التعبير عن محبتك لجميع الناس والشعوب، ولأنّنا سفراؤك لرسالة نبيلة، هي منك، لا من صدفة أو قَدَرٍ محتوم.
8. لقد جمعتَنا، أيّها المسيح، بالروح القدس، لنكون جسداً واحداً فيك وبك ومعك. وصلَّيْت إلى الآب لكي نكون ثابتين في الوحدة، على صورة اتّحادِك بالآب (راجع يو 17: 11). وبذلك نشهد لعالمنا، في هذه البقعة من الأرض، انّك أنت مبدأ وحدتنا وصانعها، وأنّ شريعة المحبة توحّدنا، وهبة الحقيقة تحرّرنا (راجع يو15: 9-10 ؛ يو8: 32). نكون واحد
اً فيك أيّها المسيح، لكي يصبح المسيحيّون في أوطانهم رسلَ المحبة والحقيقة والحرية. وعلى هذا الأساس، وجودُهم في المؤسسات الوطنية والدولية ضروريٌّ ونافع ومفيد مثل الخميرة في العجين، والملح في الطعام، والنور في الظلمة (راجع متى 5: 13-14؛ متى 13: 33-35).
ويدعونا روحك القدوس، في الإرشاد الرسولي “الكنيسة في الشَّرق الأوسط” لتعزيز وحدة المسيحيِّين في إطار احترام غنى كلِّ جماعة، بحيث تأتي وحدتُنا غنيّةً بتقاليد الجماعات الكنسيّة، الليتورجيّة والروحيّة والتاريخيّة واللاهوتيّة. ويذكّرنا الروح في هذا الإرشاد بأنّ الوحدة هبةٌ من الله، وتنبع من المواظبة على الصلاة ومن التوبة التي تجعل كلّ شخص يعيش وفقاً للحقيقة وفي المحبة. هذه المسكونيّة الروحيّة هي روح الحركة المسكونيّة الحقيقية (الفقرة 12)، وهي الدافع إلى عيش مسكونيّة الخدمة في المجالات الاجتماعيّة والتربويّة والاستشفائيّة والإنمائيّة.
9. إنّك تدعونا، يا ربّ، لنكون واحداً على تنوّع كنائسنا، من أجل الشهادة والخدمة والرسالة. فلا هجرة ولا خوف، وبخاصّة لا تقوقع ولا ذوبان. فالتقوقع يلغي رسالتنا، والذوبان يقضي على هويتنا. من أجل هذه الرسالة والشهادة، زرعت كنيستك، أيّها المسيح، في أرض هذا الشرق. وما من قوّة بشرية تستطيع اقتلاعها منه. وهي تدرك أن نهجها يبقى نهج “حبّة الحنطة” (يو12: 24)، أي الموت والقيامة. وفيما يواجه أبناؤها وبناتها الألم والاضطهاد والموت، ساعدهم ليهتفوا معك: “أيّها الآب مجّد اسمك” (يو17: 1)، وليضمّوا آلامهم إلى آلامك، فتصبح “آلام مخاض” (رؤيا 12: 1-18) يولد منها إنسان جديد وعالم جديد.
10. لقد أفضْتَ علينا، أيّها الربُّ يسوع روحَك القدّوس، روحَ العنصرة الذي جعلنا مسيحيّين في كياننا الداخلي، وأردتنا لك شهوداً في هذا المشرق وإلى أقاصي الأرض (راجع أعمال 1: 8): شهوداً لمحبّتك لكل إنسان، دونما تمييز في العرق واللَّون والانتماء؛ شهوداً لشركة الاتّحاد بالله، الواحد والثالوث، ولشركة الوحدة بين جميع الناس؛ شهوداً للأخوّة الشاملة على تنوّع العائلات والأديان والثقافات.
11. أعطنا أيّها الربُّ يسوع أن نقدّم دائماً هذه الشهادة بشجاعة وصبر وثبات. وأنتِ يا مريم، أمّنا وأم المسيحيين والكنيسة، ويا سيدة لبنان وسلطانة السلام، ساعدينا، بتشفّعك لدى الإبن الإله، لكي نصنعَ دائماً ما يقوله لنا في جميع مراحل حياتنا ورسالتنا (راجع يو2: 5). فيرتفع دائماً وإلى الأبد من قلوب مسيحيِّي المشرق، في جميع بلدانه، نشيد المجد والتسبيح للآب والابن والروح القدس، الإله الواحد، آمين.