"لقد فضل شعب الله روح العالم على الرب" استوحى الأب الأقدس عظته انطلاقًا من القراءة الأولى التي تقدمها لنا الليتورجية اليوم من سفر المكابيِّين الأول وتوقف للحديث عن "جذور روح العالم الفاسد"، وقال: في تلك الأيام خرج من إسرائيل أبناء منافقون، فأغروا كثيرين قائلين: "هلم نعقد عهدا مع الأمم حولنا، فأنا منذ انفصلنا عنهم، لحقتنا شرور كثيرة." فحسن الكلام في عيونهم. وبادر نفر من الشعب، وذهبوا إلى الملك، فأطلق لهم أن يصنعوا بحسب أحكام الأمم، فتركوا سننهم. لقد تركوا عاداتهم وتقاليدهم، هكذا يتصرف المراهقون، هم يقبلون أي شيء يُقدم لهم ويعتبرونه الخيار الأفضل لمجرد أنهم لا يريدون الاستمرار بالعيش بحسب العادات والتقاليد. لقد ساوم بنو إسرائيل على "أمانتهم للرب الأمين" تابع الأب الأقدس يقول، وهذا يمكننا تسميته "زنى" لأنهم لم يساوموا على بعض القيم فقط وإنما ساوموا على كيانهم أيضًا، على أمانتهم للرب.
أضاف الحبر الأعظم يقول: هنا يكمن التناقض: نحن لا نساوم على القيم بل على الأمانة، وهذا ثمر عمل الشيطان، أمير هذا العالم الذي يقودنا إلى السير بحسب روح العالم، فتبدأ عندها تبعات هذه المسيرة. لقد سمعنا في سفر المكابيِّين: "وكتب الملك إلى مملكته كلها، بأن يكونوا جميعهم شعبا واحدا، ويتركوا كل واحد سننه، فأَذعنت الأمَمُ بأَسرها لكلام المَلك، فابتنوا مدرسة في أورشليم على حسب سنن الأمم... وَترك كلّ واحدٍ سُنَنَه..." لقد تركوا عاداتهم وتقليدهم قبلوا سنن الأمم، وهذه هي عولمة التطابق المهيمن، عولمة توحيد الفكر، وهي ثمرة روح العالم.
تابع الأب الأقدس يقول: "أَذعنت الأمَمُ لكلام المَلك... وكثيرونَ مِن إسرائيلَ رَحَّبوا بعبادَته فذَبَحوا للأَصْنامِ واستَباحوا حُرمَةَ السَّبْت" وشيئًا فشيئًا تابعوا المسيرة في هذا الخط: "وبنى الملك شناعة الخراب على مذبح المحرقات، وبنوا مذابح في مدن يهوذا من كلّ ناحية. وكانوا يُحرقونَ البَخور على أَبوابِ البيوت وفي السَّاحات. وما وجدوه مِن أَسفار الشرَّيعَةِ مَزَّقوه وأَحرَقوه بِالنَّار. وكُلُّ مَن وُجدَ عندَه سِفر مِنَ العَهد أَو اتَّبَعَ الشَّريعة، كانَ يُقتل بأَمر المَلك".
قد تقولون لي، تابع البابا يقول: "يا أبت، لكن هذا ما يحصل أيضًا في يومنا هذا". أقول لكم نعم لأن روح العالم هو نفسه اليوم أيضًا ويحملنا على السير نحو تماثل في التفكير والتطبيق. لقد سمعنا في القراءة الأولى: "وكُلُّ مَن وُجدَ عندَه سِفر مِنَ العَهد أَو اتَّبَعَ الشَّريعة، كانَ يُقتل بأَمر المَلك" وهذا ما نقرؤه أيضًا في هذه الأشهر الأخيرة في الصحف. لقد ساوم بنو إسرائيل على أمانتهم للرب، لقد سمحوا لروح العالم أن يتحكم بهم فساوموا على هويتهم، وانتماءهم إلى شعب أحبه الله وأراده شعبًا له.
أضاف الحبر الأعظم يقول: تسود بيننا في أيامنا هذه أفكارٌ كأفكار بني إسرائيل تلك: "علينا أن نكون كالآخرين، أن نتشبّه بهم ونكون مثلهم"، هكذا يتصرف المراهقون، لذلك نرى أحداث التاريخ تتكرر ويتكرر الموت والذبائح البشريّة. لكن ما يعزينا هو أنه أمام روح العالم هذا، أمام مسيرة أمير هذا العالم، وأمام مسيرة عدم الأمانة يبقى الرب أمينًا: فهو ينتظرنا دائمًا، يحبنا كثيرًا ويغفر لنا دائمًا في كلّ مرة نعود إليه نادمين وتائبين على كل خطوة قمنا بها بحسب روح العالم. لنصل إلى الرب بروح أبناء الكنيسة ولنسأله أن ينقذنا بمحبته وأمانته من روح العالم الذي يساوم على كل شيء، وأن يحفظنا ويقودنا ويسير معنا إلى الأمام كما سار مع شعبه في الصحراء يمسكه بيده كالأب الذي يمسك ابنه. ولنتذكر دائمًا أننا عندما نمسك بيد الرب تصبح مسيرتنا آمنة!