البابا فرنسيس: "يسوع هو محور الخليقة والتاريخ"

قداس يسوع الملك وختام سنة الإيمان

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

ننشر في ما يلي العظة التي ألقاها البابا فرنسيس صباح يوم الأحد 24 تشرين الثاني في خلال القداس الاحتفالي في ساحة القديس بطرس لمناسبة عيد المسيح ملك الكون وختام سنة الإيمان:

“نحتفل اليوم بعيد المسيح ملك الكون تتويجًا للسنة الليتورجية وهي تصادف أيضًا ختام سنة الإيمان التي أعلنها البابا بندكتس السادس عشر الذي أوجّه له تحية مفعمة بالمحبة والتقدير الآن على هذه العطية التي قدّمها لنا. فمن خلال هذه المبادرة من العناية الإلهية، منحنا إمكانية إعادة اكتشاف جمال مسيرة الإيمان التي بدأت يوم عمادنا وجعلت منا أبناء الله وإخوة في الكنيسة. إنها مسيرة تهدف في النهاية إلى الالتقاء التام بالله ومن خلالها يطهّرنا الروح القدس ويرفعنا ويقدّسنا ليجعلنا ندخل في السعادة التي يتوق إليها قلبنا.

كما أودّ أن أتوجّه بتحيّة ودية وأخوية لبطاركة ورؤساء أساقفة الكنائس الشرقية الكاثوليكية الحاضرين هنا. إنّ تبادل السلام الذي أتشاركه معهم يعني قبل كلّ شيء تقدير أسقف روما لهذه الجماعات التي اعترفت باسم المسيح بأمانة يحتذى بها والتي غالبًا ما كلّفتهم غاليًا.

في الوقت نفسه، أريد من خلالهم أن أشارك هذه اللفتة مع كلّ المسيحيين الذين يعيشون في الأراضي المقدسة، في سوريا وفي كلّ الشرق حتى يلقوا نعمة السلام والوئام.

إنّ القراءات التي سمعناها من الكتاب المقدس تتمحور حول مركزيّة المسيح. إنّ المسيح هو المحور، المسيح هو المحور. المسيح هو محور الخليقة، المسيح هو محور الشعب، المسيح هو محور التاريخ.

يقدّم لنا بولس الرسول نظرة عميقة جدًا لمركزيّة يسوع. إنه يقدّمه لنا كبكر كلّ الخليقة: ففيه خُلق كلّ شيء وكلّ شيء خلق به وله. فهو قبل كلّ شيء وبه قوام كلّ شيء: يسوع المسيح الرب. فقد حسن لدى الله أن يحلّ به الكمال كلّه وأن يصالح به ومن أجله كلّ موجود (قو 1: 12-20). هو ربّ الخليقة وربّ المصالحة.

إنّ هذه الصورة تجعلنا نفهم أنّ يسوع هو محور الخليقة؛ وبالتالي إنّ المطلوب من المؤمن إذا ما أراد أن يكون كذلك، أن يعترف ويستقبل في حياته هذه المركزية ليسوع المسيح في أفكاره وأقواله وأعماله. وهكذا تصبح أفكارنا أفكارًا مسيحية، أفكار المسيح. تصبح أعمالنا أعمالاً مسيحية، أعمال المسيح وتصبح أقوالنا أقوالاً مسيحية، أقوال المسيح. في المقابل، عندما نفقد هذا المحور لأننا استبدلناه بشيء آخر، لا يتأتّى سوى الأضرار على البيئة التي من حولنا وعلى الإنسان نفسه.

بالإضافة إلى أنّه محور الخليقة ومحور المصالحة، إنّ المسيح هو أيضًا محور شعب الله. وبالتحديد اليوم وهنا، في وسطنا. إنه هنا الآن في الكلمة وسيصبح هنا على المذبح، حيًا وحاضرًا في وسطنا، نحن شعبه. هذا ما سمعناه في القراءة الأولى من سفر صموئيل الثاني عندما أقبل جميع أسباط إسرائيل إلى داود وأمام الرب مسحوه ملكًا على إسرائيل (صم 5: 1-3). من خلال البحث عن الصورة المثالية للملك، كانوا هؤلاء الرجال يبحثون في الحقيقة عن الله بذاته: إله يكون قريبًا يقبل أن يكون رفيق درب الإنسان، أن يكون له أخًا.

إنّ المسيح المنحدر من سلالة داود هو تحديدًا “الأخ” حيث من حوله يتشكّل الشعب، هو يعتني بشعبه، يعتني بنا جميعًا على حساب حياته. من خلاله أصبحنا واحدًا؛ شعب واحد متحد به، نتشارك الدرب نفسه، مصيرًا واحدًا. لا نملك هوية شعب إلاّ من خلاله، هو كمحور.

أخيرًا، المسيح هو محور تاريخ البشرية ومحور تاريخ الإنسان أيضًا. له يمكننا أن ننسب أفراحنا وآمالنا، أحزاننا وهمومنا التي تنسج حياتنا. عندما يكون يسوع في محور حياتنا، تضيء الأوقات الأكثر ظلامًا في حياتنا ويمنحنا الرجاء كما حصل مع لص اليمين في إنجيل اليوم.

وفي حين كان الجميع يهزأون منه ويقولون: “إن كنت ملك اليهود، فخلّص نفسك!” فإنّ هذا الرجل الذي اقترف أخطاء في حياته تاب وتوسّل يسوع قائلاً: “أذكرني يا يسوع إذا ما جئت في ملكوتك” (لو 23: 42). ووعده يسوع قائلاً: “ستكون معي اليوم في الفردوس” (لو 23: 43): ملكوته. لقد لفظ يسوع كلمة المصالحة فحسب وليس الإدانة؛ فحين يجد الإنسان الشجاعة ليسأله هذه المغفرة، لا يتوانى يسوع عن تحقيق هذا الطلب. اليوم يمكننا جميعًا أن نفكّر في تاريخنا، في مسيرتنا. كل واحد منا لديه تاريخ؛ وكلّ واحد منا له أخطاؤه وخطاياه وأوقات فرح وأوقات حزن. من الجيد أن نفكّر في خلال هذا النهار بتاريخنا والنظر إلى يسوع وأن نردّد له مرات عديدة من كلّ قلبنا، ولكن في القلب، بصمت، كل واحد منا: “أذكرني يا رب إذا ما جئت في ملكوتك! أذكرني يا يسوع لأنني أريد أن أصبح صالحًا، أريد أن أصبح صالحًا ولكنني لا أملك القوّة، لا أستطيع: أنا خاطىء، أنا خاطئة. ولكن أذكرني يا يسوع. يمكنك أن تذكرني لأنك أنت في المحور، أنت في ملكوتك!” كم هذا جميل! لنقم بهذا كلّنا اليوم، كلّ واحد في قلبه مرات عديدة. “أذكرني يا رب، أنت يا من هو في المحور، أنت من تكون في ملكوتك!”

إنّ الوعد الذي قام به يسوع للص اليمين يمنحنا رجاءً كبيرًا: إنه يقول لنا بإنّ نعمة الله هي دائمًا أكثر وفرة مما نطلبه في صلاتنا. إنّ الرب يعطي دائمًا أكثر، إنه كريم كثيرًا، إنه يعطي دائمًا أكثر مما هو مطلوب: أنت تسأله أن يذكرك في ملكوته وهو يقودك إلى الملكوت! يسوع هو محور رغباتنا بالفرح والخلاص. لنسر كلنا معًا على هذا الطريق!”

* * *

نقلته إلى العربية ألين كنعان – وكالة زينيت العالمية.

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

Francesco NULL

1

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير