تجديد العمل الرسولي يتطلب ترك المنطق السهل القائل: “لقد فعلنا هكذا دومًا”، ويدعونا إلى الشجاعة وإلى أن نكون خلاقين في إعادة التفكير بالأهداف، البنى، الأساليب، وطرق التبشير في جماعاتنا. وهذا الأمر لا يتم بمسيرة فردية منعزلة، بل من خلال عمل ونشاط جماعي وتمييز رعوي حكيم وحق.
والتجديد الإرسالي، بحسب الفصل الأول من الإرشاد الرسولي “فرح الإنجيل” لا يتم فقط من خلال إعادة قراءة إرسالية لحياة الكنيسة، بل أيضًا يطال الطريقة التي يتم فيها نقل الإنجيل. فأحيانا تبدو الرسالة المسيحية وكأنها مختزلة ببعض الأبعاد الثانوية المتعلقة بها والتي لا تبين، إذا ما اعتبرناها بمعزل عن الجوهر، قلب رسالة المسيح.
وعليه فإن الرعويات ذات الوجه الإرسالي لا يجب أن تكون مهووسة بنقل حفنة مشرذمة من التعاليم، بل يجب أن تركز على الجوهر، على ما هو أجمل، أعظم وأكثر جاذبية وفي الوقت عينه أكثر ضرورة. ولذا ذكر الأب الأقدس بتراتبية الحقائق التي يتحدث عنها المجمع الفاتيكاني الثاني، مشيرًا إلى أن هذا الأمر ينطبق إن على العقائد وإن على التعليم الأخلاقي.
وقدم البابا مثلاً ملموسًا فقال: “إذا، على سبيل المثال، قام كاهن رعية خلال السنة الليتورجية بالحديث 10 مرات عن الاتزان وفقط مرتين أو ثلاث عن المحبة أو عن العدل، فهذا يولد عدم اتزان لأنه يتم تناسي تلك الفضائل التي يجب أن تكون حاضرة في الوعظ والتعليم. والأمر نفسه يحدث عندما يتم الحديث أكثر عن الشريعة بدل النعمة، وأكثر عن الكنيسة من يسوع المسيح، وأكثر عن البابا من كلمة الله”.
“عندما يكون الوعظ أمينًا للإنجيل، تظهر محورية بعض الحقائق ويظهر جليًا أن التعليم الأخلاقي المسيحي ليس أدبيات رواقية، وهو أكثر من زهد وتقشف، هو ليس مجرد فلسفة عملية وليس جدولًا من الخطايا والأخطاء. الإنجيل يدعو قبل كل شيء للإجابة على نداء الله الذي يحبنا ويخلصنا، من خلال التعرف على وجهه في الآخرين ومن خلال الخروج من ذواتنا والبحث عن خير الجميع”.
جميع الفضائل هي في خدمة الحب، وإذا لم نسلط الضوء على محورية الحب، يضحي بناء الكنيسة الأخلاقي أشبه بـ “قصر من الورق”، وهذا هو الخطر الأكبر. “لأننا بهذا الشكل لا نبشر بالإنجيل، بل ببعض التفاصيل العقائدية والأخلاقية التي تنبع من بعض الخيارات الإيديولوجية. وهكذا تتعرض الرسالة لخطر خسارة نضارتها وألا يفوح مها ’أريج الإنجيل‘ “.