خراب أورشليم ونهاية العالم .. ماذا سيحدُث ؟ (3)

الأسبوع العظيم في آلام المسيح وموته لــ ” رومانو غوارديني

Share this Entry

لإسرائيل تكوينٌ دينيّ خاصّ

في الحلقة الثانية ذكرنا ، أنّه لا يوجدُ من ديانة يهوديّة بالمعنى الذي تعنيه ديانة اليونانيّين أو الصينيّين . ما يوجد فهو ، إيمان شعب العهد القديم أو جحوده ، أي ” النزاع ” بين الوحي الآتي من عند الله ، وبين ” الإرادة ” الدينيّة  الشعبيّة ، التي تقبله أو ترفضه .

لقد أثمرت تلكَ النزاعات عن تاريخ اسرائيل الخارجي ، عن تاريخ منسوج ٍ بطاعة إسرائيل وعصيانه ، بانصياعه إلى الله أو بتصلّبه وإشباع غرائزه ، بقبوله الحارّ لكلام مبعوثي الله من مشترعين وحكّام وأنبياء ، أو بإصراره على العمل بموجبْ إرادته الخاصّة (هذه هي مشكلة الإنسان اليوم الذي يضعُ إرادة الله على جانب ويقومُ بتطبيق إرادته فقط ! )  حتى إذا جاء المسيح الذي إليه تتّجه كلّ تلك السوابق ، لم يعرف الشعب ” الساعة الأخيرة ” لزيارة الله ، ساعة الخلاص ، وتابعَ الشعبُ عصيانه له حتى النهاية . فكانت العقوبةُ لذلكَ : خراب المدينة .

يقول غوارديني : يا لها من ساعة !  فيسوعُ يعلمُ أنه المسيح ، وأنّه آت ٍ بالخلاص ؛ يعلمُ أنّ فيه توجد إمكانيّة كلّ تحقيق دينيّ، وأيضا كلّ تحقيق تاريخيّ ؛ يعلمُ أنّ كلّ الوعود المقطوعة في الأزمنة الماضية يمكن أن تتمّ على يده . وإذا بالشعب ” ينغلق ” . ويسوع لا يريد أن يغتصب إرادته ، لإن الخلاص يجب أن يكون ثمرة اختيار حرّ . عليه إذن أن يموت ، وعلى الشعب أن يُدان . ويبدأ إذ ذاك القسم الثاني من تاريخ اسرائيل ، قسم التشتّت وكلّ ما جرّ وراءه من ويلات للشعب نفسه وللشعوب الأخرى .

النصوص الصعبة جدّا على الفهم ، تأتي الآن . ألا وهي ما وراء النبوءة الآولى ، التي توخّت موضوعًا لها خراب المدينة وكيان الشعب السياسيّ ، تقومُ نبوءةٌ أخرى . وتبعًا لما غالبًا يجري في الرؤى النبويّة ، فقد أختلطت فيها الأزمنة ، والاماكن ، والحالات، والوجوه . فوراء خراب المدينة المقدّسة ، يظهرُ في الأفق ، خرابُ في غاية الأهميّة  هو ” خرابُ العالم ” . وأرجو قراءة النصّ في مرقس 13 : 19 – 37 ) ، وفي إنجيل متّى أيضا أصحاح 24 .

يتطرّق رومانو غواردينيّ في كتابه المذكور ، عن معنى الدينونة والعقاب في العالم . ويقول ، إنه يجبُ أن نميّز !  لقد حاولَ بعضهم أن يفهموا نهاية العالم على وجه علميّ ، كأن يقولون مثلا أنّ حرارة العالم ستنخفض ربّما إلى درجة لا تستطيعُ معها أيّ حياة أن تحيا ؛ أو أنّ الطاقة الكونيّة قد يبطُل مفعولها فيزولُ بذلك قوام العالم . ولقد قام غيرهم بإفتراضات غيرها . مهما يكن من أمر ، فيسوع لم يعن ِ شيئا من ذلك . والخراب الذي تكلّم عنه قد يتأتّى من أسباب طبيعيّة بقدر ما قد يتأتّى خراب أورشليم من محض ضرورة سياسيّة ! والخرابان ، كليهما ، عقوبتان ناجمتان عن أحكام ، فهما أبعدُ من أن يكونا نتاجَ تطوّر للعالم داخليّ ، وبالتالي ليس لهما من سبب آخر سوى إرادة الله الديّان وهو يلفظُ حُكمَه . إنّ دينونة الله هذه تؤلّف آخر جواب لله على الخطيئة . فالله ليس فقط ” شرطيّ الناموس الأدبيّ ” كما يسمّيه غوارديني ، بل ديّانه . والله يكره الخطيئة ، ويقاومها ، ويشعر في القلب بما يثير ثائره عليها ، حتى ليسمّيه الكتاب المقدّس بــ ” غضب الله ” ، ذاك الذي لا يزالُ يغلي فيه إلى أن ينفجر .

يتكلّم البابا بنديكتوس السادس عشر في كتابه ” يسوع الناصريّ الجزء الثاني ” ( من دخول أورشليم إلى القيامة ) : ” إنّ قراءة سطحيّة لخطبة يسوع عن الأخرويّات ، أو إستماعًا لها ، يعطيان بسهولة الإنطباع بإنّ يسوع ، من وجهة نظر التسلسل التاريخيّ، قد ربطَ نهاية أورشليم مباشرة بنهاية العالم ، وبخاصّة حين نقرأ عند متّى ” وعلى أثر ذلك ، بعد ضيق تلك الأيّام ، تظلم الشمس… حينئذ تظهر في السماء علامة ابن البشر ….” (24 ، 29 – 30) .. ويتأكد هذا الربطُ المُحكَم في التسلسل التاريخيّ المباشر ، بين نهاية أورشليم ونهاية العالم بكامله ، في بعض الآيات اللاحقة :  ” الحقّ أقولُ لكم ، لن يزولَ هذا الجيل حتى تحدث هذه الأمور كلّها ”  . ويضيفُ بنديكتوس : من النظرة الآولى ، يبدو في نظر لوقا ، أنه هو وحده الذي لطّف هذه العلاقة؟ فعنده نقرأ : يسقطون قتلى بحدّ السيف ، ويؤخذون أسرى إلى جميع الأمم ، وتدوس اورشليم أقدامُ الوثنيّين إلى أن ينقضي عهد الوثنيّين . فبين تدمير أورشليم ونهاية العالم تندرجُ ” أزمنة الوثنيين ” .. أ ُخِذَ على لوقا أنه بذلك قد نقلَ محور الأناجيل الزمنيّ ورسالةَ يسوع الأصليّة ، فجعلَ من نهاية الزمن زمنـــًَا وسطيّا ، مستنبطـــًا هكذا ” زمن الكنيسة ” على أنه مرحلة جديدة من تاريخ الخلاص .

يتبعْ

Share this Entry

عدي توما

1

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير