وعليه، فرواية التجربة تلخّص مجمل نضال يسوع: فهي تتناول طبيعة رسالته، وفي الوقت عينه إعادة الترتيب الصحيحة للحياة البشرية وكيفية أن يكون المرء إنساناً، ودرب التاريخ. وهي أخيراً تبحث في ما هو مهم حقاً في حياة الإنسان. وهذا الأمر الأخير، هذا الأمر الحاسم هو أولية الله. فأصل كل تجربة يكون في إقصاء الله عنّا حتى يبدو وكأنه أمر ثانوي مقارنةً بكل الأولويات الملحة في حياتنا. فأن نعتبر أنفسنا وحاجاتنا ورغباتنا الآنية أهمّ منه، تلك هي التجربة التي تحدق بنا باستمرار. فبذلك ننكر لله ألوهيته ونصيّر أنفسنا أو بالأحرى القوى التي تهدّدنا مكان إلهنا.
تجارب يسوع بحسب البابا بندكتس السادس عشر
يمكن فهم تجربة يسوع كقبول لتجربة آدم الأولى وتغلّب عليها… فتعرّض يسوع للتجربة يشكل جزءاً أساسياً من إنسانيته وجزءاً من نزوله إلى منزلتنا، إلى أعماق حاجتنا… والتجارب المصوَّرة بخطوط عريضة تعود وتحدث بشكل ملموس في مراحل محددة من حياة يسوع. فبعد تكثير الخبز، يرى يسوع أن الحشود تهمّ باختطافه لتقيمه ملكاً، فيبتعد ويعود وحده إلى الجبل (يو 6: 15). وهو كذلك يقاوم تجربة التماثل مع المعجزات التي يجترحها، ما يهدد بمناقضة تعاليمه- ومهمته الحقيقية (راجع مر 1: 35-39). وعندما يحاول بطرس، بعد إعلانه أن يسوع هو ابن الله، أن يثنيه عن سلوك درب الآلام، ينهره الرب بالكلمات ذاتها التي نسمعها في ذروة رواية التجربة هذه وفي ختامها فيقول له: “سِر خلفي، يا شيطان” (مر 8: 33).