تابع الأب الأقدس يقول: عندما نتحدث عن “المواهب”، في اللغة العامة، غالبًا ما نعني “مهارة” وقدرة طبيعية، فنقول على سبيل المثال: “هذا الشخص لديه موهبة خاصة للتعليم” إنها مهارة، وهكذا أمام شخص لامع يُقال عادة: “إنه شخص موهوب”. أما من وجهة النظر المسيحية فالموهبة هي أكثر من مجرّد صفة شخصية وقدرة طبيعية يمكن التنعُّم بها: فالموهبة هي نعمة، عطية يمنحها الله الآب من خلال عمل الروح القدس. وهي عطية تُمنح لشخص ما لا لأنه أكفأ من الآخرين أو يستحقها: إنها هبة من الله كي يضعها، بالمجانية نفسها والمحبة عينها، في خدمة الجماعة بأسرها ومن أجل خير الجميع. وبالتالي عندما نتحدث بطريقة بشريّة نقول إن الله يمنح هذه المواهب لهذا الشخص لا ليحتفظ بها لنفسه وإنما ليضعها في خدمة الجماعة كلها. واليوم قبل أن أصل إلى الساحة، استقبلت العديد من الأطفال المعوّقين في قاعة بولس السادس، ينتمون إلى جمعيّة مختصة تهتمُّ بهم، ما هي هذه الجمعية؟ هؤلاء الأشخاص، هؤلاء الرجال والنساء لديهم موهبة الاهتمام بالأطفال المعوقين، إنها موهبة.
أضاف الحبر الأعظم: هناك أمر مهم ينبغي التوقف عنده الآن ألا وهو أنه لا يمكن للمرء أن يفهم لوحده ما إذا كانت لديه موهبة ما وما هي تلك الموهبة، فغالبًا ما نسمع أشخاصًا يقولون: “أنا لدي موهبة الغناء وأغني بشكل جيّد!” ولكن ما من أحد لديه الشجاعة الكافية ليقول لهم: “يستحسن ألا تُغنّي، لأنك تزعجنا بغنائك” لا يمكن لأحد أن يقول لدي هذه الموهبة أو تلك، لأن المواهب التي يغمرنا بها الآب تتفتّح وتزهر داخل الجماعة، وفي قلب الجماعة أيضًا نتعلم كيف نعرفها كعلامة محبته لجميع أبنائه. من الجيّد إذًا أن يسأل كلّ منا نفسه: “هل هناك من موهبة وهبني الرب إياها بنعمة روحه، وقد تعرّف عليها إخوتي في الجماعة المسيحية وشجّعوها؟ وكيف أتصرّف إزاء هذه العطيّة: هل أعيشها بسخاء وأضعها في خدمة الجميع، أم أنني أهملها وأنساها؟ أم أنها أصبحت بالنسبة لي دافعًا للتباهي والغرور يجعلني أشتكي وأتأفف من الآخرين على الدوام وأدّعي بأنه ينبغي أن تسير الأمور في الجماعة بالطريقة التي أريدها؟ إنها أسئلة يجب أن نسألها لأنفسنا، إن كان لدي موهبة وإن كانت الكنيسة تعترف بموهبتي هذه، إن كنت فرحًا بهذه الموهبة التي أملكها أم أنني أحسد الآخرين على مواهبهم… الموهبة هي عطيّة، ووحده الله يعطيها!
تابع البابا يقول: لكن الخبرة الأجمل هي اكتشاف تعدد المواهب وعطايا الروح التي يفيضها الآب على كنيسته! ولا يجب أن يُنظر لهذا الأمر كدافع للاضطراب أو الانزعاج: فهي كلها هبات يمنحها الله للجماعة المسيحية، لكي تنمو بتناغم في الإيمان ومحبته كجسد واحد، جسد المسيح. والروح عينه الذي يعطي هذه المواهب المتعددة هو نفسه يوحّد الكنيسة، وبالتالي وأمام تعدد المواهب هذا ينبغي على قلبنا أن ينفتح على الفرح ويقول: “يا له من أمر جميل! عطايا كثيرة ومتعددة، لأننا جميعًا أبناء الله وجميعنا محبوبون بشكل فريد”. الويل لنا إذًا إن أصبحت هذه العطايا دافعًا للحسد أو الانقسام! كما يذكر الرسول بولس في رسالته الأولى إلى أهل كورنتس، في الفصل الثاني عشر، بأن جميع المواهب مهمة في عيني الله وفي الوقت عينه ما من أحد مُتعذِّر استبداله. وهذا يعني أننا في الجماعة المسيحية نحتاج لبعضنا البعض، وكل عطيّة ننالها تعاش بملئها عندما نتقاسمها مع الإخوة من أجل خير الجميع. هذه هي الكنيسة! وعندما تعبر الكنيسة عن نفسها بالشركة، في تنوع مواهبها، لا يمكن أن تخطئ: هذا هو جمال حس الإيمان وقوته، ذلك الحس الفائق الطبيعة للإيمان الذي يمنحه الروح القدس لكي نتمكن معًا من الدخول في قلب الإنجيل وتعلُّم إتباع يسوع في حياتنا.
وختم البابا فرنسيس تعليمه الأسبوعي بالقول: اليوم تحتفل الكنيسة بعيد القديسة تريزيا الطفل يسوع، هذه القديسة التي توفيت عن عمر أربعة وعشرين عامًا وقد أحبت الكنيسة كثيرًا وأرادت أن تكون مرسلة، ولكنها كانت ترغب بجميع المواهب، وفي أحد الأيام وبينما كانت تصلّي شعرت بأن الموهبة التي منحها الله إياها هي الحب وقالت هذه العبارة الجميلة: “في قلب الكنيسة سأكون الحب”. وهذه الموهبة نملكها جميعنا: وهي القدرة على الحب! لنطلب اليوم من القديسة تريزيا الطفل يسوع هذه القدرة لنحب الكنيسة كثيرًا ونقبل تلك المواهب بمحبة أبناء لأُمِّنا الكنيسة المقدسة.
المصدر: إذاعة الفاتيكان