عقدت ظهر اليوم ندوة صحفية في المركز الكاثوليكي للإعلام، بدعوة من اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام، حول “دور الإعلام في مواجهة العنف والتعصب والإرهاب”، استناداً إلى الوضع الأمني والنفسي المتوتر الذي يعيشه لبنان والمنطقة، شارك فيها: مدير المركز الكاثوليكي للإعلام الخوري عبده أبو كسم، رئيس المجلس الوطني للاعلام المرئي والمسموع الأستاذ عبد الهادي محفوظ،والأستاذ المشرف في المعهد العالي للدكتوراه في الإعلام السياسي الدكتور نسيم الخوري، رئيس التحرير في “اذاعة صوت لبنان” الأستاذ شربل مارون، وحضرها عدد كبير من المهتمين والإعلاميين.
رحب الخوري عبده أبو كسم باسم رئيس اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام المطران بولس مطر بالحضور وقال:
“ومما لا شك فيه أن لوسائل الإعلام دورٌ كبيرٌ في تظهير هذا الواقع بشكل دراماتيكي يجافي الحقيقة ربما عن قصد أو عن غير قصد، وذلك بقصد السبق الصحافي عبر النقل المباشر للأحداث دون إجراء الرقابة الذاتية الواجبة مهنياً فتضحي إذاك وسائلنا الإعلامية في كثير من الأحيان منابر للشتم ولبث الأفكار الغريبة التي تضرب وحدتنا وتشوه تنوعنا، وبمجانيةًٍ مطلقة، وكل هذا تحت عنوان السبق الإعلامي والحريات الإعلاميّة.”
أضاف “لا يا سادة، الإعلام لا يعني السبق الصحافي وحسب، الإعلام هو شبكة تواصل اجتماعي بين الناس، وتساءل أين هو التواصل؟ أين هي المشاركة في نقل الحقائق المجرّدة إلى الناس؟ أين نحن من فن إيصال الرسالة المرجوّة والغير المباشرة إلى المتلقين؟ اين نحن من تنوير الراي العام؟ وليس تدمير الرأي العام، نحن للأسف في بعض الأحيان نسمح بأن تطلق تصاريح في وسائلنا الإعلامية ضدّ الدولة ومؤسساتها، وضد القوى الأمنية والجيش، نجعل من منابرنا الإعلامية ساحةً للشتائم والتخوين والشرخ والفرز والتقسيم، وكل هذا تحت ستار الحريات الإعلاميّة.”
تابع “نعم دور وسائل الإعلام يهدف أيضاً إلى بناء ثقافة عامة تحرف الناس والمشاهدين عن ثقافة الحروب والقتل والتنكيل والتهويل والتكفير والإرهاب، نحن بحاجة إلى برامج تجمع ولا تفرّق، إلى برامج تدخل الفرح والطمائنينة إلى النفوس. وهذا الأمر يستوجب من المسؤولين عن الوسائل الإعلامية، أن يعيدوا النظر في توزيع المساحات الإعلامية في مؤسساتهم، بما يخلق التوازن، بين نقل الأخبار والأحداث بموضوعيّة وبين البرامج التوجيهيّة، وهذا حق المشاهدين عليهم.
أردف “إردنا اليوم ومن خلال هذه الندوة أن نطلق صرخةً من المركز الكاثوليكي للإعلام، بمشاركة المنتدين الكرام، كل من موقعه، ومع محبتنا وتقديرنا لمؤسساتنا الإعلامية ولكل العاملين فيها، متوجهين إليهم ومن خلالهم باسم سيادة رئيس اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام المطران بولس مطر وباسمي إلى كل اللبنانيين بأطيب التمنيات في مناسبة عيد الأضحى، أعاده الله عليكم جميعاً بالخير والطمأنينة.”
ثم كانت كلمة الأستاذ عبد الهادي محفوظ عن الإعلام والإرهاب والتكفير وسبل المعالجة الثمانية فقال:
“الإنقسامات السياسية والطوائفية في المنطقة تزرع الهواجس والمخاوف والتفجيرات. ومواجهة ذلك غير ممكنة إلا بالحوار الهادئ. فالفتن الطائفية تؤدي إلى التفكك والتفتيت والإنهيار.”
تابع “والحوار لمعالجة المشاكل هو ما دعا إليه قداسة البابا بندكتوس السادس عشر في رسالته الملهمة للإعلام المرئي والمسموع والإلكتروني. فهذه الرسالة لوسائل الإتصال الإجتماعي تنطوي على تأملات عميقة لتعزيز أشكال الحوار وفتح نقاشات جدية. وهي تطمح لأن يكون تبادل المعلومات مدخلا لبناء علاقات إنسانية ولإيجاد أجوبة ومعارف جديدة. وهي تربط التواصل الإجتماعي بقيم إنسانية دينية ومسيحية بحيث لا يتحول التواصل إلى ممارسات تخرج عن سياق البناء وتسودها الإثارات السياسية والأمنية والطوائفية.”
تابع “وما ذهب إليه البابا كان قد استوقف سابقا الإمام السيد موسى الصدر الذي ربط الإعلام بالوظيفة التي تعطى له. فإما أن يكون بناءً أو أن يكون هداما. فالإعلام يصنع الرأي العام ويوجهه. وحاليا هذا ما نشهده في الواقع الإعلامي. فالتنظيمات الدينية المتطرفة تعتمد على مواقع التواصل الإجتماعي والمؤسسات المرئية والإذاعية والمكتوبة لتعميم الكراهية وإلغاء الآخر. ولا ينبغي أن ننكر أنها تستفيد من المناخات الطوائفية والإنقسامات لاستقطاب الشباب وخصوصا وأن ما يسمى الربيع العربي دفعته هذه التنظيمات إلى العنف وتصدَّرت ساحته وهددت وحدة مجتمعاتنا الهشة لأسباب كثيرة منها فشل الأحزاب السياسية وغياب البرامج الإجتماعية وبيروقراطية السلطة وفسادها واستبدادها.”
أضاف “بالتأكيد الإسلام براء من دعوات التهجير والقتل ومصادرة الأملاك وتهديد الأقليات. ’’فالأديان هي واحدة عندما نلتقي في الله‘‘ وهي في الأساس غايتها خدمة الإنسان وبنائه إلى أي دين أو طائفة انتمى. وخطورة ما جرى في العراق وليبيا وما يتهدد لبنان يُذكِّـر ما كان منظِّـر المحافظين الجدد ريتشارد بيرل يدعو له خلال الإحتلال الأميركي للعراق عندما رأى ضرورة إعادة بناء الهلال الخصيب استنادا إلى مكوناته البدائية الأولى… وهكذا استنتج بضرورة تقسيم العراق وسوريا ولبنان. و استثنى من ذلك اسرائيل والأردن… ومن هنا نحن إزاء تهديد وجودي يحاول إعادة رسم خريطة المنطقة على قاعدة التفتيت. “
تابع “المطل
وب لمواجهة هذا الخطر الوجودي المتمثل بالتكفير والإرهاب:
أولاً: تحصين الوحدة الوطنية وإطلاق عملية حوار واسعة بين رجال الدين على اختلاف طوائفهم لتعزيز المشترك بين اللبنانيين ولإبراز القيم الدينية الواحدة واعتبار سقف الدولة الواحدة هو ما يستظل به اللبنانيون وتحفيز حضور هذه الدولة بمواجهة الفراغ وبتدبير شؤون الناس وتأمين خدمات الكهرباء والماء والإلتفاف حول المؤسسة العسكرية. هذا على مستوى الحوار الإسلامي – المسيحي.”
ثانياً: على صعيد الحوار السني – الشيعي فالأمر يقتضي تعريف ما هو المقصود بالإسلام المعتدل. إذ لا يكفي إطلاقا توصيف الإرهاب والتكفير عند الكلام عن ’’داعش‘‘ و’’القاعدة‘‘ ومتفرعاتها. فـ’’داعش‘‘ تدعو إلى إقامة الدولة الإسلامية واستعادة الخلافة والفتوحات العسكرية. وهي على الصعيد الأيديولوجي تستند إلى نص ديني على طريقتها لتبرير القتل والتهجير وتكفير الآخر. وبالتالي ’’الإسلام المعتدل‘‘ في الوسطين السني والشيعي مطالب بتفسير للنص الديني يلغي مزاعم التطرف الإسلامي ويؤسس إلى قراءة مشتركة.”
ورأى “على هذا الصعيد هناك تقصير من النجف ومن الأزهر ومن ايران والسعودية. وقد يكون لبنانيا سماحة المفتي عبدالله الدريان هو الأكثر جرأة بين رجال الدين الذي قارب الموضوع من زاوية ايمانية عقلانية عندما طالب رجال الدين المتنورين وخطباء الجمعة ليـُعرِّفوا الإسلام كدين تسامح ورفق وانفتاح ومحبة ورحمة وعندما نزع غطاء النص عن ما يدعيه المتطرفون باسم الدين. ومن هنا أهمية التفسير المنطقي في مواجهة التطرف الإلغائي. ومن هذه الزاوية أهمية الإعلام في استضافة رجال الدين المتنورين كون الشاشة والمواقع الالكترونية تدخل كل بيت. “
ثالثا: مطلوب حوار جدي بين الفريقين الأساسيين الثامن من آذار والرابع عشر من آذار حول كيفية تطويق ما يمكن أن يستغله التطرف الإسلامي من الإنقسامات السياسية والطوائفية لايجاد بيئة حاضنة له.
رابعا: إطلاق دور النخب السياسية والفكرية والإجتماعية والإقتصادية والنقابات وأساتذة الجامعات والإتحاد النسائي لتعزيز الوحدة الداخلية والتعاون مع رجال الدين المتنورين.
خامسا: اعتبار عودة اجتماعات النواب كمقدمة للخروج من الفراغ وباتجاه إحياء مؤسسات الدولة على اختلافها الرئاسية والتشريعية والقضائية.
سادسا: على الصعيد الإعلامي البحت حجب خطاب التطرف وعدم إفساح المجال أمام المتطرفين للترويج لأفكارهم. وكذلك مواجهة الشائعات والأخبار الكاذبة. واستطرادا استقاء المعلومات من المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية حول عرسال والمخطوفين من الجيش وقوى الأمن الداخلي.
سابعاً: ينبغي أن نعترف أن الوضع المربك الذي نحن فيه على صعيد لبنان والمنطقة سيطول لسنوات على مستوى المواجهة العسكرية التي قد تكون دافعا لاستهواء الشباب ما لم تُبذل أقصى الجهود الأيديولوجية والدينية والوطنية لتدارك التداعيات السلبية على المستويين الوطني والاقليمي. وهذا يقتضي بالضرورة حوارا بين اللاعبَين الاقليميين الايراني والسعودي على المستويين اللبناني والاقليمي.
ثامنا: وأخيرا فإن المسيحية المشرقية مطالبة بتنوير الرأي العام الغربي حول التحولات التي تطول المنطقة والتي لا يبدو أن دول الغرب تتلمس خطورتها على مستقبل هذه المسيحية المشرقية. فتهجير مسيحيي الموصل لا يعتبره الغرب الأميركي والأوروبي يُشكِّـل تهديدا لمصالحه الأمنية والإقتصادية والنفطية. وهذا خطأ فادح بل خطيئة جسيمة.”
ثم كانت كلمة الأستاذ شربل مارون فقال:
“إن الإعلام مطالَب اليوم بممارسة دوره الوطني، لا يمكن ان تتفرّج وسائل الاعلام على لبنان يُخطف ويُذبح ويُقتل ويُغيّر وجهُه. وكما كان الإعلام على مرّ التاريخ السيف المرفوع دفاعاً عن الكيان اللبناني، فان عليه اليوم واجب منع اغتيال الوطن. ويقتضي لذلك خطوات ملموسة تواجه الارهاب والتخلّف الزاحف ، ومنها :
1 – التزام دعم المؤسسة العسكرية، الوحيدة الباقية على صورة احلام اللبنانيين، والدولة في الحرب ضد الارهاب، والابتعاد عن كل ما من شأنه اضعاف معنويات الجيش وعناصره. ولنا في اذاعة صوت لبنان اكثر من محطّة في هذا السياق امتنعنا فيها طوعاً عن بث معلومات تم ّ التأكد من صحتّها لأنها تمسّ معنويات المؤسسة العسكرية. كما ان عدداً من المؤسسات الاعلامية المرئية امتنع بدوره عن بثّ صور تصفية العسكريين الشهداء الثلاثة : علي السيد ، محمد حمية وعباس مدلج.
2 – مقاطعة المؤسسات الاعلامية المسؤولين والشخصيات الذين يتهجمّون على الجيش اللبناني، وشطب عبارات التحقير والاهانات من مواقفهم.
3- التزام اخلاقي بتجنّب بثّ ونشر كل ما من شأنه ان يثير النعرات الطائفية والسياسية.
4 – إعادة الاعتبار لدور المجلس الوطني للاعلام المرئي والمسموع في رقابته على وسائل الاعلام لتأمين التزامها بالمعايير المهنية.
وختم بالقول ” تكمن خطورة ما يجري في انه يستهدف وجود لبنان. نحن في مواجهة مجموعات محترفة، ومن بين حقول احترافها الحقل الاعلامي. والمواجهة تكون بوعي ذلك اولاً، وبعمل احترافي مقابل. الأرض والجغرافيا ليست وحدها ساحة المواجهة. الاعلام ساحة اساسية، ولنا امثلة كثيرة حُسمت فيها المعارك على الشاشات والإذاعات والصحف وسائر وسائل الاعلام. “
ثم كانت مداخلة د. نسيم الخوري فقال:
“أقترح فكرة، قد تروق المجلس الوطني للإعل
ام، وتروق الكثيرين، وقد تتجاوز ما نحن فيه، أن يبادر المجلس الكاثوليكي للإعلام، برعاية سيّدنا البطريرك بشارة الراعي برعاية ورشة وطنية أو خلوة إعلامية لا سياسية وبالتعاون مع من يريد من مؤسسات الإعلام وخبرائه ومرجعياته في لبنان للتفكير والمجادلة المحصورة فقط بمسؤوليات وسائل الإعلام ودورها في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ لبنان؟ واضعاً هذا الإقتراح بعهدة اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام والمركز الكاثوليكي للإعلام بشخص رئيسه.”
تابع “إنّ فوضى الإعلام في لبنان يبدو لي أحياناً أشدّ خطراً من الفوضى السياسية. ولأنه مع تقديري الكامل لما قيل وكتب ونقوله الآن سيبقى الأمر من دون فائدة كبرى مرجوّة منه، كونه سينتهي بصورة أو كلمتين تنقلها شاشة حول نشاطنا فلا نؤثّر شيئاً.”
أضاف: “الإعلام اليوم لا حدود له ومصيبته أنّه إعلام حروب وحروب إعلاميين. هو سلطة ما عادت تنحصر بالتلفزيونات أبداً ولا بالإذاعات ولا بالصحف بل في الشبكات. القرّاء في إنقراض لكن المشاهدين هم في إنقراض أيضاً. كل لبناني يحمل خلوياً بين يديه يستطيع أن يمارس وحيداً الكتابة والتصوير والنشر والنقد وإطلاق المواقف.”
وقال “بالمقابل، ضعفت السلطات التقليدية وتعمّمت الفراغات السياسية الحاصلة من بعبدا عملياً الى التشريع فالقضاء الى معظم المؤسسات في لبنان واقعياً. كانت الشاشات تتبع السياسات في لبنان بعدما تأسّست على محاصصة بين الطوائف والأحزاب. لكن مع ضمور نفوذ السلطات التقليدية كلّها وتراجعها فقدت غالبية الناس أو الرأي العام الثقة بمن وما حوله إلاّ الحزبيين والمنتفعين، وخصوصاً بعدما أفرغ الميدان العام والنفوذ الفعلي الى رجال المخابرات والأمن اللبناني والإقليمي والدولي. هنا صارت السياسات تتبع الشاشات وتتوجّس منها إن لم نقل تخاف من أصواتها العالية وإرتباطاتها أو تنافسها مع القوى والأنظمة المختلفة غير اللبنانية.”
ورأى “أن الحرية في لبنان حاف من دون أي ضابط يضبطها. من دون ألف ولام. هي حرية هكذا. لا وزارة إعلام . لا مجلس وطني مقرّر. من يطلع خلف الشاشة هو السلطة التي تبدأ ولا أحد يعرف أين ينتهي.
تابع: “الإعلام العام يصبح على شاكلة إعلامنا في لبنان عندما يبطل أن يكون صناعة لها جدواها الوطنية قبل الجدوى المالية، لها محاكمتها على فسادها كما على ثقافات الفساد الغذاء والدواء والمجالات، ولها معايير سليمة لمنتوجاتها وبرامجها ومواصفاتها وهي تتقدّم على أيّ صناعة أخرى. الطبيب يخطيء فيصيب عائلة، بينما الإعلامية تقلق وطناً وتقتل مسؤولاً أو تخرّب جيلاً إن إعتقدت أنّ الشاشة أي شاشة هي مثل المرآة مجال عرض وهندسة طلاّت لا تعكس الواقع أيّ واقع.”
أضاف: أتطلّع الى الإعلام في الدول العظمى كلّها من أميركا وفرنسا وحتّى روسيا والصين. في العالم يصنعون وسائل الإعلام ويصدّرونها لا للّعب والعبث بها كما نفعل، وهم يصنّعون مواد الإعلام عندهم ثمّ يسخّرون كلّ شيء كي يصنعون الرأي العام. نحن، إعذروني، لا نصنع مصباحاً مضيئاً في وسائل الإعلام ولا نصنع إعلاماً إلاّ إذا كان منقوعاً بالمال والطائفية والجمال والحريّات المطلقة فلا نعرف صناعة الرأي العام اللبناني مع أنّنا بلد ال: Médiastste.“
وختم بالقول:”علينا توسيع هذه الحلقة الى مساحات الإعلام وسلطاته في لبنان ولنتجادل، على الأقلّ، لنضع سطرين في الوقاية ليس أكثر، علّنا نوقظ الأكثرية اللبنانية التي لا تسمع ولا تثق لا بالأحزاب ولا بالطوائف ولا بالمذاهب ولا بالإنقسامات ولا بتآكل السلطات ولا بتنمرد الشاشات؟”