تابع الحبر الأعظم يقول: بالعودة إلى إنجيل القديس متى يطيب لي أن أشبه الدعوة الكهنوتية بالـ”كنز المدفون في الحقل” (متى 13، 44). إنها كنز بالفعل يضعه الله في قلب بعض الرجال الذين يختارهم ويدعوهم لإتباعه في حالة الحياة الخاصة هذه. وهذا الكنز يتطلّب أن يُكتشف ويُظهر للعلن فهو ليس لإثراء شخص واحد فقط، لأن الذي دُعي للكهنوت ليس “سيّد” دعوته، بل هو مدبّر للعطيّة التي منحه الله إياها من أجل خير الشعب لا بل من أجل جميع البشر حتى أولئك الذين ابتعدوا عن الممارسة الدينية أو لا يؤمنون بالمسيح. وفي الوقت عينه فإن الجماعة المسيحية هي حارسة كنز هذه الدعوات المكرسة لخدمتها وينبغي عليها على الدوام أن تعززها وتقبلها وترافقها بمحبة.
أضاف الأب الأقدس يقول إن الله لا يتوقف أبدًا عن دعوة البعض لإتباعه وخدمته في سرّ الكهنوت، وإنما علينا نحن أيضًا أن نقوم بدورنا من خلال التنشئة التي تشكل جواب الإنسان والكنيسة على العطية التي يهبنا الله إياها من خلال الدعوات. وبالتالي ينبغي الحفاظ على الدعوات وتنميتها لكي تحمل ثمارًا ناضجة، فهي كـ “الماس الخام” الذي يجب صقله بعناية وصبر محترمين كيان الأشخاص وإرادتهم، لكي يسطعوا ويلمعوا في وسط شعب الله. ولذلك فالتنشئة ليست عملاً من جانب واحد، يتم من خلال نقل معلومات لاهوتية أو روحيّة. فيسوع لم يقل للذين دعاهم: “تعال وسأشرح لك” أو “تعال وسأُعلِّمُك”، وإنما التنشئة التي قدمها المسيح لتلاميذه قد تمّت من خلال دعوته: “تعال اتبعني”، أي “تصرّف مثلي”، وهذا هو الأسلوب الذي تريد الكنيسة اليوم أيضًا أن تتبناه من أجل كهنتها. فالتنشئة التي نتحدث عنها هي خبرة تتلمذ، تقربنا من المسيح وتسمح لنا بالتشبه به أكثر فأكثر. هذا وأشار الأب الأقدس إلى أن التنشئة ليست مجرّد مرحلة لأن الكهنة هم تلاميذ يسوع ولا يتوقفون أبدًا عن إتباعه، وقال أحيانًا نسير مسرعين وأحيانًا أخرى تكون خطواتنا متردّدة، فنقف وربما قد نسقط أيضًا ولكننا نستمرّ في المسيرة. وبالتالي فإن التنشئة كتتلمذ ترافق حياة الكاهن بأسرها وتطال شخصيته بشموليتها.
تابع البابا فرنسيس يقول: كل دعوة هي من أجل الرسالة ورسالة الكهنة هي البشارة بجميع أشكالها. فهي تبدأ أولاً من الكيان لتُتَرجَم بعدها في الفعل، والكهنة يتحدون من خلال أخوة أسراريّة وبالتالي فإن أول أشكال البشارة هي شهادة الأخوَّة والشركة مع بعضهم البعض ومع الأسقف. ومن هذه الشركة يفيض دفع رسولي قويّ يحرّر الكهنة من تجربة الاهتمام بتأييد الآخرين لهم واستحسانهم والبحث عن رفاهيتهم الشخصية فتنعشهم المحبة الراعوية في إعلان الإنجيل وصولاً إلى أبعد الضواحي. وفي رسالة البشارة هذه ينبغي على الكهنة أن ينموا اليقين بأنهم رعاة مرسلون ليقيموا وسط قطيعهم ويجعلوا الرب حضرًا من خلال الإفخارستيا وينشروا رحمته. هذا وأكّد الحبر الأعظم أنه على الكهنة أن يكونوا أحرارًا من الأمور الدنيوية ويتيقنوا أن شهادة حياتهم تسبق أعمالهم في حمل البشارة، وأشار إلى أهمية الصلاة والحوار مع الله في حياة الكهنة ليعيشوا دعوتهم بفرح وسلام يعضدهم في لحظات التعب والألم. وختم الأب الأقدس كلمته للمشاركين في الجمعية العامة لمجمع الإكليروس بالقول: إن الدعوة التي يتم الاهتمام بها من خلال تنشئة مستدامة بالشركة تُصبح أداة بشارة قوية في خدمة شعب الله، لينر الرب أفكاركم ولترافقكم بركاتي، أسألكم أن تصلوا من أجلي ومن أجل خدمتي.