العائلة تحدٍ دائم

إن لكل حقبة تحدياتها وأولياتها، تبقى العائلة دوما وأبدا التحدي الأكبر والدائم في كل عصر وثقافة ومجتمع، لأنّها الخليّة الأساسيّة والحيّة للمجتمع، وبفضلها تنمو الحياة الإنسانيّة وتزدهر. إلاّ أن  النظريات الفردانيّة أرادت أن تحُدّ من دور العائلة على حساب الشخص، ضاربة بعرض الحائط حياة العائلة وهويتها وماهيتها وبنيتها.

Share this Entry

شهدت تسعينيات القرن المنصرم، تطوراً كبيرًا على كافة الأصعدة ولاسيما أنتروبولوجيّة الإنسان والعائلة، أدى ويا للأسف الى سيطرة ونفوذ أيديولوجيات هدامة، وأخطرها أيديولوجيّة النوع البشري [الجندر] التي وضعت الهوية الجنسيّة، في إطار ثقافي – ذكوري[1]، بإعتبارها المصدر والخلاف الرئيسي يمنع تحقيق المساواة العادلة بين الرجل والمرأة، وأن التمييز الجنسيّ هو أصل العنف الأسريّ، وما الإنجاب/ الأمومة إلا وظيفة ليس إلاّ[2].

 نجح هذا التيار الأيديولوجي، بالترويج الى أفكاره ومشاريعه السياسيّة- الأنتروبولوجيّة، من خلال العديد من وسائل الإعلام العالمية وشركات الإنتاج السينمائيّة التي تواطأت في ضرب المفهوم الحقيقي للعائلة، بخلق مناخ  يرمي إلى دعم هذا المشروع الخطير، فأدى الى وضع قوانين تتناقض مع بنية الإنسان الفيزيولوجيّة والنفسيّة وبنيّة العائلة المؤلفة من الثنائي [الرجل والمرأة]، أجازت للمثلي الجنس الحق بالزواج والتبني، أسوة كباقي العائلات، أضف الىى تغير جذري في المصطلحات، فحزفت من المعاجم كلمة اللواطية أو المثليّة كإنحراف نفسيّ تربوي، واستبدلت بكلمات ملتبسة على حساب المعنى…!

وإنسحب هذا الأمر بدوره على بلداننا العربية، تحت ذريعة الحريات والتحرر ومحاربة العنف الأسريّ، فتنامت جمعيات لا حكومية موالية لتيار الجندر، وصار هناك الكثير من المشاهير العربية تؤيد تلك الإقتراحات بطريقة عمياء وغير موضوعيّة، وبتنا نسمع تارة من هنا طوراً من هناك أصواتًا تطالب بتغير القوانين المتعلقة بالأسرة والزواج والإنجاب والتربية والمرأة، وحملات إعلانية شرسة موجهة تهدف بالإنقضاض على قيم سرّ الزواج، تتهم المؤسسة الزوجيّة بأنها فشلت في الحدّ من العنف الأسري، وأنها سبب دمار المرأة وعثرة في تطورها ورقيها.  

 ولا نغفل أيضاً بروز تيار النيوليبرالية الذي دخل الى مفاصل الدولة والقوانين الإشتراعيّة والضرائبيّة، ضارباً بعارض الحائط حياة العائلة وإقتصادها وخصوصيّتها، متخطيًّا المحرّمات فارضاً على أرباب الأسر، الضرائب والرسوم دون حسيب أو رقيب، مما جعلها فريسة الإقتصاد المتطرّف، فتحوّل أفراد الأسرة بأجمعهم الى سلعة ذات قيمة شرائية[3]، إزداد حجم العوز والفقر والبطالة  والهجرة[4] بسبب تلك السياسات الإقتصاديّة المجحفة، وبتنا نشهد ثقافة الإقصاء وتحويل العائلات المهمشة الى ثقافة نفايات[5]!!!

إنطلاقاً مما سبق، بإمكاننا إستجلاء الواقع المأزوم، الذي يضغط على العائلة لتستسلم للشروط وتقبل بالمساومة والتنازل عن قيمها ودورها الريادي في المجتمع والخضوع الى الشروط المبتذلة والمناهضة لواقع الأسرة وللهوية وللقيم.

          إن إنعقاد سينودوس العائلة في روما في هذه المرحلة الحاسمة في حياة الكنيسة، لهو بشير أمان للعائلة، لأنه سيعيد تصويب الأمور، عبر تحديده للمصطلحات ولمعاني الكلمات في مسألة العائلة وهويتها ودورها ورسالتها الفعليّة في المجتمع والكنيسة. التحديات كبيرة والحمل ثقيل، لكن الكنيسة عروسة المسيح قادرة بقوّة حبّ عريسها يسوع أن تقدم “العائلة المسيحية” هدية تحرير لمن أضعفته الفردانية وأقعدته المنفعية ولوثته الإباحية الجنسيّة، وأعماه التحرر المتلفت.

فلتكن قلوبنا شاخصة الى رسول العائلة البابا القديس يوحنا بولس الثاني الكبير، طالبين منه أن يلهم البابا فرنسيس والأساقفة والكرادلة في الإجابة على إنتظارات الكنيسة والعائلة.   

… يتبع   

[1] – Oscar Alzamora reveoredo, GENRE dangers et portée cette idéologie, p157 – 158

[2]– Rita Joseph, Fécondité et continence, p376

[3] – راجع قرم جورج (د)، حكم العالم الجديد. الإيديولوجيات، البنى والسلطات المعاكسة، ص 101[4] – راجع حول هذا الموضوع، عبدالله الدحّ وحسين حجازي، توزيع الدخل، نمط الإنفاق وظاهرة الفقر في لبنان، منشورات المركز اللبناني للدراسات، بيروت، لا يوجد تاريخ

– فرح الإنجيل، فقرة 53[5]  

Share this Entry

الخوري جان بول الخوري

1

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير